[ ص: 182 ] 959 - باب بيان مشكل الواجب فيما اختلف فيه أهل العلم من قول الرجل : لفلان علي ما بين كذا إلى كذا بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
5936 - حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، عن أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش عن أبي صالح . قال : أبي سعيد عمر : يا رسول الله سمعت فلانا يثني عليك خيرا ، ويقول خيرا ، زعم أنك أعطيته دينارين ؟ قال : لكن فلانا ما يقول ذلك ، لقد أصاب مني ما بين مائة إلى عشرة ، ثم قال : إن أحدكم ليخرج من عندي بمسألته يتأبطها ، أو نحوه ، وما هي له إلا نار .
فقال عمر - رضي الله عنه - : فلم تعطيه ؟ قال : فما أصنع ؟ يسألوني ، ويأبى الله عز وجل لي البخل قال .
[ ص: 183 ] ففي هذا الحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أصاب مني ما بين مائة إلى عشرة ، وهذا يدخل في باب من الفقه قد تنازع أهله فيه ، وهو قول الرجل : لك علي ما بين درهم إلى عشرة دراهم .
فقال قائلون منهم : يقولون عليه تسعة دراهم ، منهم : ، وقائلون منهم يقولون : له ثمانية دراهم ، منهم : أبو حنيفة زفر ، وقائلون منهم يقولون : له عشرة دراهم ، منهم : ، أبو يوسف ومحمد ، وقائلون منهم يقولون : لا شيء له عليه ; لأنه أقر له بما بين الدرهم الواحد وبين العشرة كلها ، ولا شيء بينهما .
وكان ما في هذا الحديث الذي روينا دفع هذا القول الأخير من هذه الأقوال ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه قد كان أعطى ذلك الرجل عطية يستحق بها الشكر فلم يشكرها ، وهو صلى الله عليه أفصح الناس .
وكان الذي وجدناه من كلام العرب موافقا للمعنى الذي يوجب دفع ذلك ; لأنا قد وجدناهم فيما ذكره الفراء عنهم يقولون : مطرنا ما زبالة فالثعلبية يا هذا ، وله عشرون ما ناقة فجملا ، يريدون ما [ ص: 184 ] بين ناقة وجمل ، والعدد عشرون ، أي : عدد الذي له من ذينك الجنسين عشرون .
ومن ذلك ما حكاه الكسائي أنه سمع أعرابيا ، ورأى الهلال ، فقال : الحمد لله ما إهلالك إلى سرارك . والإهلال والإسرار جميعا داخلان فيما ذكر ، وكذلك قولهم أيضا : الشنق ما خمسا إلى خمس ، يريدون ما بين خمس إلى خمس مع إدخالهم الخمس التي ابتدؤوا بذكرها ، والخمس التي ختموا بذكرها في ذلك ، فمثل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أعطيته ما بين مائة إلى عشرة ، فدخل فيه المائة مع دخول العشرة التي هي منها فيها . وفيما ذكرنا ثبوت ما كان ، أبو يوسف ومحمد يذهبان إليه في ذلك .
وقال قائل : فقد رأيناهم لا يختلفون فيمن قال : لفلان ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط : أن له ما بينهما ، وليس له من الحائطين شيء مع وقوفهم على المعنى الذي أوجب القول الذي ذكرنا في المسألة الأولى ، وهذان لا فرق بينهما .
فكان جوابنا له في ذلك : أن الذي ذكر في الحائطين على شيئين معينين أقر بما بينهما ، فدخل ما بينهما في إقراره ، والإقرار بما ذكرنا سوى ذلك غير معين إنما هو إقرار بشيء لم يعتمد المقر فيه عند إقراره إلى شيء بعينه ، فيحمل إقراره إلى ما بين الشيئين ، وإنما أقر بما بين شيئين مرسلين ، وفي مثلهما ما قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما [ ص: 185 ] ذكرناه من كلام العرب .
والغايات للأشياء المذكورة منها ليست بأعيان ، وقد وجدناها لا تدخل في الأشياء المذكورة بها ، فمن ذلك قول الله تعالى : ثم أتموا الصيام إلى الليل . والليل غير داخل في ذلك ، ووجدناها تدخل فيها ، ومن ذلك قوله عز وجل : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين . وكانت المرافق والكعبان داخلة في ذلك ، وفي هذا ما يدل على أنهم قد يدخلون ما يجعلونه غاية فيما قد جعلوه غاية له ، وقد لا يدخلونه فيه ، ولهذا قال رحمه الله في الدرهم العاشر : إنه لما احتمل أن يكون دخل ، واحتمل أن لا يكون دخل لم يدخله في ذلك ، وقال مع ذلك في رجل باع عبده على أنه بالخيار إلى غد : إنه بالخيار حتى يمضي غد ; لأنه قد يحتمل دخول غد في ذلك ، وقد يحتمل أن لا يدخل فيه ، فلم يوجب البيع حتى علم وجوبه . أبو حنيفة
[ ص: 186 ] فأما ما ذكرناه من القول في المسألة الأولى الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قد ذكرناه عنه قد أغنانا عن الكلام في ذلك بشيء ، وبالله التوفيق .