[ ص: 199 ] 36 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام في المؤذنين أنهم أطول الناس أعناقا يوم القيامة
208 - حدثنا ، بكار قالا : حدثنا وإبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو عامر العقدي ، عن سفيان طلحة بن يحيى ، عن قال : سمعت عيسى بن طلحة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { معاوية المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة } .
فتأملنا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ما معناه ، فوجدنا المؤذنين أحد العاملين في الدنيا بطاعة الله تعالى مما يعانونه من الأذان .
ووجدنا الله قد ذكرهم في كتابه بأحسن ما ذكر به أحدا ممن يعمل في الدنيا بطاعته ، بقوله تعالى : ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله الآية ، وكان العاملون بأصناف طاعات الله في الدنيا ينتظرون يوم القيامة ثواب أعمالهم في الدنيا ، فتطاول إلى ذلك أعناقهم ، ويكونون في العلو بذلك أضدادا لما وصفهم الله من أهل معاصيه ، [ ص: 200 ] والخروج عن أمره في الدنيا بقوله : فظلت أعناقهم لها خاضعين .
وكان المؤذنون فيما كانوا يعانونه من أذانهم في الدنيا ، ورفع أصواتهم به فوق ما غيرهم عليه من أهل الطاعات سواه في معاناتهم إياهم ، كانت في الدنيا فاحتمل أن يكونوا بعلو أصواتهم في أذانهم الذي كانوا يعانونه في الدنيا ، ومداومتهم عليه في كل يوم وليلة خمس مرات ، وإتباعهم ذلك إقامات الصلوات ، واجتهادهم في ذلك بأصواتهم ، واستعلائهم على الأمكنة التي يأتون بالأذان فيها ، مع ما في ذلك من المشقة التي لا خفاء بها جعلوا في ذلك في طول أعناقهم يوم القيامة إلى ثوابهم عليه فوق من سواهم من أهل الأعمال بطاعات الله سواه ، في انتظار الثواب له ، والجزاء عليه ، ولم نجد في تأويل هذا الحديث مما قال الناس فيه أحسن من هذا التأويل الذي ذكرناه فيه ، والله أعلم بما أراده رسوله في ذلك ، وإياه نسأل التوفيق .