[ ص: 259 ] 257 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : { رسول الرجل إلى الرجل إذنه }
1587 - حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء - عن سعيد - يعني ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي رافع ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة إذا دعي أحد فجاء مع الرسول فذلك إذن له } .
[ ص: 260 ]
1588 - حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، عن حماد بن سلمة أيوب ، عن وحبيب ، عن محمد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة رسول الرجل إلى الرجل إذنه } .
قال : فتأملنا هذا الحديث فوجدنا أحسن ما خرج مما يحتمله أن يكون { رسول الرجل إلى الرجل } ، يعني المرسل إليه فيما يحتاج إليه الجائي بلا رسالة من السلام والاستئذان جميعا قبل أن يدخل البيت الذي يريد دخوله ؛ لأنه إذا جاء برسالة من صاحب البيت إليه مع أبو جعفر
رسوله ، وكان الاستئذان مما لا بد للرسول منه إذ كان بغير الأحوال من المرسل غير مأمونة عليه ؛ لأنه قد يجوز أن يكون أرسله لما أرسله فيه ، وهو على حال لا يكره أن يراه عليها ، ثم يجيء وهو على غير تلك الحال ، فيحتاج من أجل ذلك إلى الاستئذان عليه ثانية لهذا المعنى ، وكان المرسل إليه يغني عن الاستئذان وعن السلام باستئذان المرسل إليه وسلامه ؛ لأن المرسل يعلم أن رسوله لما عاد إليه عاد على إحدى منزلتين : إما أن يكون الذي أرسله لمحبة به [ ص: 261 ] قد تخلف عنه ، فيدخل إليه رسوله بعد سلام واستئذان قد كانا منه قبل دخوله عليه ، أو يكون معه فيكون قد تقدم إذنه له أن يجيئه به ، فجاء به فدخوله عليه باستئذان الرسول يغني عن سلامه وعن استئذانه قبل الدخول ، ثم يسلم بعد ذلك سلاما للملاقاة .
فقال قائل : فقد رويتم ، عن ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخالف هذا : أبي هريرة
1589 - فذكر ما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : أخبرني عمر بن ذر ، { أن مجاهد قال : أبا هريرة أهل الصفة في حديث طويل ذكر فيه : فدعوتهم فجاؤوا فاستأذنوا فأذن لهم بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعو له } .
قال : ففي هذا الحديث استئذان أهل الصفة وقد جاؤوا برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، ولم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم استئذانهم ، ويقول لهم : قد كنتم عن هذا أغنياء بمجيئكم مع رسولي إليكم أن تجيئوني ، فهذا خلاف الحديث الأول . أبا هريرة
فكان جوابنا له بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أن الذي في الحديث الأول عندنا ، والله أعلم على مجيء المرسل إليه مع الرسول إليه ، فذلك مغن له عن الاستئذان على ما في الحديث الأول ، والحديث [ ص: 262 ] الثاني إنما فيه مجيء أهل الصفة بغير ذكر فيه ، أن كان معهم فقد يجوز أن يكونوا سبقوا فجاؤوا دونه ، فاحتاجوا إلى الاستئذان . ومما يدل على أن ذلك كان كذلك قول أبا هريرة : فأقبلوا حتى استأذنوا فأذن لهم ، ولم يقل : فأقبلنا فاستأذنا فأذن لنا ، فلم يكن بحمد الله ونعمته واحد من هذين الحديثين مخالفا للآخر . والله نسأله التوفيق . أبي هريرة