الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 259 ] 257 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : { رسول الرجل إلى الرجل إذنه }

1587 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : أخبرنا سعيد - يعني ابن أبي عروبة - عن قتادة ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا دعي أحد فجاء مع الرسول فذلك إذن له } .

[ ص: 260 ]

1588 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب وحبيب ، عن محمد ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رسول الرجل إلى الرجل إذنه } .

قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث فوجدنا أحسن ما خرج مما يحتمله أن يكون { رسول الرجل إلى الرجل } ، يعني المرسل إليه فيما يحتاج إليه الجائي بلا رسالة من السلام والاستئذان جميعا قبل أن يدخل البيت الذي يريد دخوله ؛ لأنه إذا جاء برسالة من صاحب البيت إليه مع

رسوله ، وكان الاستئذان مما لا بد للرسول منه إذ كان بغير الأحوال من المرسل غير مأمونة عليه ؛ لأنه قد يجوز أن يكون أرسله لما أرسله فيه ، وهو على حال لا يكره أن يراه عليها ، ثم يجيء وهو على غير تلك الحال ، فيحتاج من أجل ذلك إلى الاستئذان عليه ثانية لهذا المعنى ، وكان المرسل إليه يغني عن الاستئذان وعن السلام باستئذان المرسل إليه وسلامه ؛ لأن المرسل يعلم أن رسوله لما عاد إليه عاد على إحدى منزلتين : إما أن يكون الذي أرسله لمحبة به [ ص: 261 ] قد تخلف عنه ، فيدخل إليه رسوله بعد سلام واستئذان قد كانا منه قبل دخوله عليه ، أو يكون معه فيكون قد تقدم إذنه له أن يجيئه به ، فجاء به فدخوله عليه باستئذان الرسول يغني عن سلامه وعن استئذانه قبل الدخول ، ثم يسلم بعد ذلك سلاما للملاقاة .

فقال قائل : فقد رويتم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخالف هذا :

1589 - فذكر ما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عمر بن ذر ، قال : أخبرني مجاهد ، { أن أبا هريرة قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعو له أهل الصفة في حديث طويل ذكر فيه : فدعوتهم فجاؤوا فاستأذنوا فأذن لهم } .

قال : ففي هذا الحديث استئذان أهل الصفة وقد جاؤوا برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أبا هريرة ، ولم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم استئذانهم ، ويقول لهم : قد كنتم عن هذا أغنياء بمجيئكم مع رسولي إليكم أن تجيئوني ، فهذا خلاف الحديث الأول .

فكان جوابنا له بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أن الذي في الحديث الأول عندنا ، والله أعلم على مجيء المرسل إليه مع الرسول إليه ، فذلك مغن له عن الاستئذان على ما في الحديث الأول ، والحديث [ ص: 262 ] الثاني إنما فيه مجيء أهل الصفة بغير ذكر فيه ، أن أبا هريرة كان معهم فقد يجوز أن يكونوا سبقوا فجاؤوا دونه ، فاحتاجوا إلى الاستئذان . ومما يدل على أن ذلك كان كذلك قول أبي هريرة : فأقبلوا حتى استأذنوا فأذن لهم ، ولم يقل : فأقبلنا فاستأذنا فأذن لنا ، فلم يكن بحمد الله ونعمته واحد من هذين الحديثين مخالفا للآخر . والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية