[ ص: 288 ] 450 - باب بيان مشكل ما اختلف أهل العلم فيه من أكثر مدة الحمل بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .
2859 - حدثنا ، قال : حدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، عن عبد الواحد بن زياد الحارث بن حصيرة ، قال : حدثنا ، قال : قال زيد بن وهب : أبو ذر ابن صياد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف مرة واحدة إنه ليس به ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعثني إلى أمه ، فقال : سلها كم حملت به ؟ فسألتها ، فقالت : حملت به اثني عشر شهرا ، ثم أرسلني إليها المرة الثانية ، فقال : سلها عن صياحه حين وقع ، فأتيتها فسألتها ، فقالت : صاح صياح الصبي ابن شهرين ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني قد خبأت لك خبيئا ، قال : خبأت لي عظم شاة عفراء والدخان ، فأراد أن يقول الدخان ، فلم يستطع ، فقال : الدخ الدخ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اخسأ ، فإنك لن تسبق القدر لأن أحلف عشر مرار أن .
[ ص: 289 ] فكان هذا الحديث حكاية عن أبي ذر أم ابن صياد أنها حملت به اثني عشر ، وليس فيه رجوعه بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فينكره أو لا ينكره ، فنظرنا هل نجد ذلك في هذا من غير هذه الرواية .
2860 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي ، قال : حدثنا علي بن معبد بن نوح البغدادي ، عن معلى بن منصور ، عن عبد الواحد ، يعني : ابن زياد الحارث بن حصيرة ، عن ، قال : سمعت زيد بن وهب يقول : أبا ذر ابن صياد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف يمينا واحدة إنه ليس هو ، وذلك لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم ابن صياد ، فقال : سلها كم حملت به ؟ فسألتها ، فقالت : حملت به اثني عشر شهرا ، [ ص: 290 ] فأتيته فأخبرته لأن أحلف عشرا إن ، ثم ذكر بقية الحديث .
فكان في هذا إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي ذر أم ابن صياد أنها حملت به اثني عشر شهرا ، فلم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع لذلك ، ولو كان محالا لأنكره عليها ودفعه من قولها ، وفي ذلك ما قد دل أن الحمل قد يكون أكثر من تسعة أشهر على ما قد قاله فقهاء الأمصار في ذلك من أهل المدينة وأهل الكوفة ، وممن سواهم من فقهاء أهل الأمصار سوى هذين المصرين ، وإن كانوا يختلفون في مقدار أكثر المدة في ذلك ، فتقول طائفة منهم : إنه سنتان لا أكثر منهما ، وممن كان يقول ذلك منهم : أبو حنيفة والثوري ، وسائر أصحاب ، وطائفة منهم تقول : هو أربع سنين لا أكثر منها ، وممن كان يقول ذلك منهم كثير من قدماء أبي حنيفة أهل الحجاز ، وبه يقول ، وطائفة منهم تقول : إنه يتجاوز ذلك إلى ما هو أكثر منه من الزمان منهم الشافعي ، واحتجنا عند اختلافهم هذا إلى طلب الأولى مما قالوه من هذه الأقاويل ، فوجدنا الله - عز وجل - قد قال في كتابه العزيز : مالك بن أنس وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ، فكان في ذلك جمع الحمل والفصال في ثلاثين شهرا ، فلا يجوز أن يخرجا ولا واحد منهما عنها ، وإذا لم يكن في هذا الباب غير هذه الثلاثة الأقاويل اللاتي ذكرنا ، فكان [ ص: 291 ] في قولين منها الخروج عن الشهور إلى ما هو أكثر منها انتفى هذان القولان إذ كان كتاب الله قد دفعهما ، ولم يبق إلا القول الآخر الذي لم يخرج به قائلوه عن الثلاثين شهرا التي جعلها الله عز وجل مدة للحمل وللفصال جميعا ، وهو الحولان ، فكان هو الأولى مما قيل في هذا الباب .
فقال قائل : فإذا جعلتم الحمل والفصال ثلاثين شهرا لا أكثر منها ، فكم تكون مدة الفصال من هذه الثلاثين شهرا .
فكان جوابنا له بتوفيق الله عز وجل : أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قد روي عنه في ذلك . :
ما قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود فروة بن أبي المغراء الكوفي ، قال : حدثنا ، عن علي بن مسهر ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة رضي الله عنهما قال : ابن عباس . إذا وضعت المرأة في تسعة أشهر كفاه من الرضاع واحد وعشرون شهرا ، وإذا وضعت لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرا ، وإذا وضعت لستة أشهر فحولان كاملان لأن الله - تعالى - يقول : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا
[ ص: 292 ]
وما قد حدثنا ، قال : حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، عن حفص بن غياث ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة رضي الله عنهما قال : ابن عباس : ابن عباس وحمله وفصاله ثلاثون شهرا . إذا كان الحمل تسعة أشهر كفاها من الرضاع أحد وعشرون شهرا ، وإذا حملت ستة أشهر كفاها من الرضاع أربعة وعشرون شهرا ، ثم قرأ
[ ص: 293 ] قال : ففي هذا الحديث أن أبو جعفر لم يخرج الحمل والفصال من الثلاثين شهرا ، وفي ذلك ما قد دل على أن الحمل كان عنده لا يخرج عن الثلاثين شهرا ، وإذا كان ذلك كذلك وكان الحمل حولين كان الباقي من الثلاثين شهرا ستة أشهر ، فكان ذلك مما قد سأل عنه بعض من سأل ، فقال : أفيجوز أن يكون الفصال ستة أشهر ، وأبدان الصبيان لا تقوم بها ؟ لأنهم يحتاجون من الرضاع إلى مدة هي أكثر منها . ابن عباس
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أنه قد يحتمل أن يكون المولودون بعد مضي تلك الستة الأشهر يرجعون إلى لطيف الغذاء ، فيكون ذلك عيشا لهم وغنى لهم عن الرضاع ، غير أنا تأملنا ما في كتاب الله من ذكر الحمل والفصال فوجدنا منه الآية التي قد تلوناها فيما تقدم منا في هذا الباب .
ووجدنا منه قول الله - عز وجل - : وفصاله في عامين ، فجعل الفصال في هذه الآية من المدة عامين .
ووجدنا منه قوله عز وجل : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ، فكان في هاتين الآيتين الأخيرتين إثبات الحولين للفصال ، فاحتمل عندنا - والله أعلم - أن يكون الله - عز وجل - جعل الحمل والفصال ثلاثين شهرا لا أكثر منها على ما في الآية الأولى [ ص: 294 ] مما قد يحتمل أن يكون مدة الفصال فيها قد ترجع إلى ستة أشهر ، ثم زاد الله - عز وجل - في مدة الفصال تمام الحولين بالآيتين الأخيرتين ، فرد حكم الفصال إلى جهته من الثلاثين شهرا وعلى تتمة الحولين على ما في الآيتين الأخريين ، وبقي مدة الحمل على ما في الآية الأولى ، فلم يخرجه من الثلاثين شهرا ، وأخرج مدة الفصال من الثلاثين شهرا إلى ما أخرجها إليه بالآيتين الأخريين ، والله عز وجل أعلم بمراده في ذلك وبما كان منه فيه .
والدليل على صحة ما قد ذكرناه المراعاة بالرضاع حولين ، وقد قال ذلك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير واحد ، منهم رضي الله عنه . ابن عباس
كما قد حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا يعقوب بن حميد ، عن أنس بن عياض ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ابن عباس . لا رضاع بعد حولين كاملين
[ ص: 295 ]
كما حدثنا ، قال : أنبأنا يونس بن عبد الأعلى ، عن سفيان ، عن عمرو رضي الله عنهما قال : ابن عباس . لا رضاع بعد حولين
قال : فهذا أبو جعفر قد قصد إلى الرضاع بالحولين ، فدل ذلك أنهما له عنده مدة ، وأكثر فقهاء الأمصار على ذلك . ابن عباس
فكان في ذلك ما قد دل على التأويل الذي تأولناه في الثلاث [ ص: 296 ] الآيات التي تلوناها في هذا الباب .
وقال قائل : قد ذكرت في مدة الحمل في هذا الباب ما ذكرته من نقل إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي ذر أم ابن صياد أنها حملت به اثني عشر شهرا ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك ، وجعلت ذلك حجة على من نفى أن يكون الحمل أكثر من تسعة أشهر ، وابن صياد قد يحتمل أن يكون كان مخصوصا في حمل أمه به في هذه المدة ؛ ليكون آية للعالمين لما ذكر فيه من أنه الدجال .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه إنما يكون هذا الاحتمال يرجو أنه الدجال الذي حذر النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن قبله من الأنبياء عليهم السلام أممهم منه ، وذكروا لهم أحواله التي يكون عليها وادعاءه أنه لهم إله ، ومكثه في الأرض بما يمكثه فيها ، ومنع الله - عز وجل - إياه من حرمه وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم ليقتله في الموضع الذي يقتله فيه .
ولم يوجد هذا في ابن صياد ؛ لأنه قد كان في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتله ، ولو كان الدجال نفسه لقتله ، ولو كان الذي قيل فيه من ذلك قيل إنه دجال ، لما أنكر أن يكون دجالا ، ويكون بعده دجالون ، وإن تفاضلوا فيما يكونون عليه في ذلك ويتباينون فيه ، ولكنه قيل إنه الدجال ، فعاد [ ص: 297 ] ذلك إلى الدجال الذي هو الدجال ، وقد قامت الحجة بخلاف ذلك ، وسنذكر ما روي فيه من الآثار فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله ، وإذا أخرج أن يكون هو الدجال الذي ذكرنا كان كأحد بني آدم في خلقه في مدة حمله ، والله نسأله التوفيق .