[ ص: 224 ] 893 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لأبي بن كعب - رضي الله عنه - : أمرت أن أقرأ عليك
5585 - حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عفان بن مسلم ، أخبرني عبد الله بن المبارك الأجلح ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن ، عن أبيه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أبي بن كعب قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون بالتاء أمرت أن أقرأ عليك القرآن ، قال : قلت : سماني لك ربك ؟ قال : نعم ، فقرأ علي : [ ص: 225 ] .
5586 - وحدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي ، حدثنا ، حدثنا الهيثم بن جميل ، ثم ذكر بإسناده مثله . ابن المبارك
ففي هذا الحديث قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أمرت أن أقرأ عليك القرآن .
فقال قائل : فكيف تقبلون هذا إذا كان القرآن إنما يقرأ على من يقرأ عليه ليؤخذ منه ، ولأن معه فيه من الرتبة فوق ما مع القارئ عليه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس من ذلك ، وأن يكون به حاجة إلى مثل ذلك ممن سواه من الناس ؟ [ ص: 226 ] فكان جوابنا له في ذلك : أن قراءته على أبي كانت ليوقفه على ما يقرؤه عليه منه حتى يكون بذلك آخذا له من فيه ، مع أنه قد روي هذا الحديث عن أبي بخلاف هذا اللفظ .
5587 - كما حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا ، حدثنا الفريابي ، عن سفيان أسلم المنقري ، عن ، عن سعيد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي بن كعب قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا أنزلت علي سورة ، وأمرت أن أقرئكها ، قال : قلت له : ففرحت ، قال : وما يمنعني ، وهو يقول عز وجل : ، وكان الذي روى هذا الحديث الأول بالألفاظ التي رواه بها .
[ ص: 227 ] ثم نظرنا هل رويت هذه القصة من غير هذا الوجه . ؟
5588 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عفان ، عن همام بن يحيى ، عن قتادة ، قال : أنس بن مالك أبيا ، فقال له : إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك ، فقال : سماني لك ؟ قال : الله سماك لي ، فجعل أبي يبكي . قالقتادة : وبين أنه قرأ عليه : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا . [ ص: 228 ]
5589 - وحدثنا ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عفان بن مسلم ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد عمار بن أبي عمار ، قال : سمعت أبا حبة البدري ، قال : لم يكن الذين كفروا إلى آخرها ، قال جبريل صلوات الله عليه : يا رسول الله ، إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي : إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة ، فقال أبي : أوذكرت ثم يا رسول الله ؟ قال : نعم ، فبكى أبي لما نزلت : .
فكان الكلام في قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي ، وفي استقرائه إياه كالكلام فيما تقدم منا في هذا الباب ، وكان فيما رويناه في الفصل الأول من هذا الباب ما قد دل على أن ذلك إنما كان فيمن ذكر أنه [ ص: 229 ] كان في كل القرآن ، وهذا مما قد يجوز في اللغة أن يذكر القرآن ، والمراد به بعضه ، كما يقول الرجل : سمعت فلانا يقرأ القرآن : إذا سمعه يقرأ شيئا منه ، وإن لم يسمعه يقرؤه كله ، ومن ذلك قول الله عز وجل : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، فكان ذلك على من يريد قراءة القرآن ، وعلى من يريد قراءة شيء منه ، وإن لم يقرأه كله .
فإن قال قائل : فهل وجدتم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا جمعوا القرآن من الرتبة في القرآن مثل الذي كان لأبي فيها ؟ فكان جوابنا له في ذلك : أنا قد وجدنا لعبد الله بن مسعود مثل ما وجدنا لأبي فيه وزيادة عليه ، فإن القراءة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت منه على جبريل صلوات الله عليه ، وإنها للقرآن كله ، والذي يحضره أبي مما ذكرنا حضوره إياه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن مثل ذلك ، إنما كان يقرئه سورة من القرآن لا على جبريل صلوات الله عليه .
5590 - كما حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، حدثنا ، شريك بن عبد الله النخعي ، وأبو معاوية ، عن ووكيع ، عن الأعمش ، قال : قال أبي ظبيان : ابن عباس . فقال لي : بل هي الأخيرة ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض [ ص: 230 ] القرآن على ابن أم عبد جبريل في كل عام مرة ، فلما كان في العام الذي قبض ، عرضه مرتين عليه ، فحضر ذلك ، فعلم ما نسخ وما بدل عبد الله بن مسعود أي القراءتين تقرأ ؟ قلت : القراءة الأولى قراءة .
فكان في هذا الحديث حضور للقراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن مسعود جبريل ، ونحن نحيط علما أنه صلى الله عليه وسلم لم يبلغ تلك الرتبة إلا بأمر الله إياه أن يبلغه إياها ، مع أنا قد نظرنا في الحديث الذي رواه ابن مسعود همام ، عن قتادة ، عن أنس الذي قد ذكرناه في الفصل الذي قبل الفصل من هذا الباب ، فوجدنا من هو فوق همام من أصحاب قتادة ، وهو قد خالف سعيد بن أبي عروبة هماما في إسناده [ ص: 231 ] .
5591 - كما حدثنا أحمد بن أبي عمران ، حدثنا ، عن خلف بن هشام ، عن عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن قتادة : الحسن لأبي بن كعب : إن الله تعالى أمرني أن أقرئك ، قال أبي : وقد ذكرت عنده ؟ قال : نعم ، قال : فاغرورقت عيناه ، وجعل يبكي أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال .
فكان في هذا ما قد دل أنه دخل في إسناده ما لا خفاء به ، ثم نظرنا فيما روي عن أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يدل على الوجه في ذلك وعلى حقيقته .
5592 - فوجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا ، قال : حدثنا ، عن أبو نعيم . الأعمش
5593 - ووجدنا فهدا حدثنا ، قال : حدثنا ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : علقمة رضي الله عنه وهو عمر بعرفات ، فقال : جئتك من الكوفة ، وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه ، قال : فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل ، وقال : ويحك من هو ؟ قال : ، قال : فوالله ما زال يطفئ ويذهب عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها ، ثم قال : والله ما أعلم من الناس أحدا هو أحق بذلك منه ، وسأخبركم عن ذلك : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند عبد الله بن مسعود أبي بكر الليلة ، كذلك في الأمر [ ص: 232 ] من أمور المسلمين ، وأنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه ، قال : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرجنا معه ، فلما دخل المسجد إذا رجل قائم يصلي ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءته ، فما كدنا نعرف الرجل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل ، فليقرأه على قراءة ، ثم جلس الرجل يدعو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سل تعطه ، سل تعطه ، فقلت : والله لأغدون إليه ولأبشرنه ، فغدوت إليه ، فوجدت ابن أم عبد أبا بكر قد سبقني إليه فبشره ، ولا والله ما سبقته إلى خير إلا سبقني إليه جاء رجل إلى .
5594 - ووجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا أبا أمية ، حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي ، عن شيبان - يعني النحوي - ، عن الأعمش [ ص: 233 ] ، عن إبراهيم ، وعن علقمة قالا : خيثمة قيس بن مروان إلى - رضي الله عنه - ، وهو على الحج على جمل له أحمر ، فسعى عمر إليه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إني تركت رجلا عبد الله بن مسعود بالعراق يملي المصاحف انطلق ، ثم ذكر الحديث ، كما حدثنا فهد عن الرجلين اللذين حدثانا به عنهما .
ففي هذا الحديث حلف عمر : إنه لا يعلم أحدا من الناس أحق [ ص: 234 ] بما ذكره عن من ابن مسعود ، وفي الناس يومئذ ابن مسعود أبي وغيره ممن كان جمع القرآن ، خلا سالم مولى أبي حذيفة ، فإنه كان قد مات قبل ذلك ، وخلا أبي زيد ، فإنه يجوز أيضا أن يكون قد مات قبل ذلك ، لأن موته كان في أيام عمر ، ولا يدرى كان قبل ذلك أو بعده .
وقد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، عن أبو شهاب الحناط ، عن الأعمش ، قال : أبي وائل على المنبر ، فقال : والله ، والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل ، وما أحد أعلم بكتاب الله تعالى مني ، وما أنا بخيركم ، ولو أني أعلم أحدا أعلم بكتاب الله تعالى مني لأتيته ، قال عبد الله بن مسعود أبو وائل : فلما نزل من المنبر ، جلست في الحلق ، فلم أجد أحدا ينكر ما قال . خطبنا
[ ص: 235 ] ففي هذا الحديث عن عبد الله ما فيه عنه ، وفيه ترك من سمعه ذلك ممن خطب به عليه منه الإنكار ، وفيهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان فيهم ، فلم ينكروا ذلك عليه ، فدل على متابعتهم إياه عليه .
5595 - وقد حدثنا ، قال : حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا أبو كامل ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن سليمان الأعمش ، قال : شقيق بن سلمة عثمان رضي الله عنه في المصاحف بما أمر به ، قام خطيبا ، فقال : أتأمروني أن أقرأ القرآن على قراءة عبد الله بن مسعود ، فوالذي نفسي بيده لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة ، زيد بن ثابت وزيد بن ثابت عند ذلك يلعب مع الغلمان ، ثم استحيى مما قال ، فقال : وما أنا بخيرهم ، ثم نزل . قال شقيق : فقعدت في الحلق فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، فما سمعت أحدا رد ما قال . لما أمر
ففي هذا الحديث ما فيه زيادة على ما رويناه قبله من ذكر الذين نزلوا مكان ذلك أنه قال : كان فيهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من [ ص: 236 ] قد كان فيهم يومئذ ، وأبي إذ ذاك حي .
وقد حدثنا ، أخبرنا علي بن عبد الرحمن بن محمد ، حدثنا يحيى بن معين ، عن يحيى بن سعيد ، حدثني سفيان ، عن سليمان - يعني الأعمش - عمارة بن عمير ، عن حريث بن ظهير قال : عبد الله إلى ، قال : ما ترك بعده مثله أبي الدرداء . لما جاء نعي
فقد لحق فيما ذكرنا عنه في هذا الحديث بمن سواه ممن قد ذكرناه عنه في أبو الدرداء ما قد ذكرناه عنهم ، ووفاة عبد الله بن مسعود أبي كانت بعد ذلك ، وبالله التوفيق .