[ ص: 231 ] 443 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة ( ص ) هل فيها سجدة أم لا .
2802 - حدثنا ، قال : أنبأنا يونس ، قال : أخبرني ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عياض بن عبد الله بن سعد رضي الله عنه أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في ( ص ) .
فتأملنا هذا الحديث فوجدناه مختصرا من حديث فيه معنى لا يوجب ما اختصر هذا الحديث عليه .
2803 - وهو ما قد حدثنا ، قال : حدثنا يوسف بن يزيد حجاج بن إبراهيم ، قال : حدثنا ، عن عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن ابن أبي هلال ، عن عياض بن عبد الله بن سعد رضي الله عنه أنه قال : أبي سعيد الخدري قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ص ) ، وهو على المنبر ، فلما بلغ السجدة ، نزل فسجد وسجد الناس [ ص: 232 ] معه ، فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تهيؤوا - أو كلمة نحوها - للسجود ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي توبة نبي ، ولكن رأيتكم تهيأتم - أو تشزنتم ، أو كلمة نحوها - للسجود ، فنزل ، وسجدوا .
فكان في هذا الحديث إخبار أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها عند تلاوته إياها في البدء ، ثم تلاها بعد ذلك فتهيأ الناس للسجود فيها مع سجوده فيها ، فأخبرهم أنها سجدة شكر من نبي عند توبة الله عليه ، أي أنها ليست من عزائم السجود ، وأنها إنما هي لمعنى كان إلى ذلك النبي دونهم .
وعقلنا بذلك أنه إذا كان من الله عز وجل إلى أحدهم ما هو من جنس ذلك كان مباحا له السجود عنده ، وفي ذلك ما قد دل على إباحة السجود للشكر ، كما كان محمد بن الحسن والشافعي يقولانه في ذلك .
وفي ذلك ما قد دل أن من السجود ما هو عزيمة لا بد من السجود ، وأن منها ما هو ليس كذلك .
فالتمسنا ذلك هل نجده في شيء مما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم . [ ص: 233 ]
فوجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر رضي الله عنه قال : علي الم تنـزيل ، و حم ، والنجم ، و اقرأ باسم ربك . إن عزائم السجود :
ووجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا حسين بن نصر ، قال : حدثنا أبو نعيم ، عن سفيان ، ثم ذكر بإسناده مثله . عاصم
وهذا من علي فلم يقله استنباطا ، ولكنه قد قاله ما قد علمه بما هو فوق الاستنباط ، فدل ذلك إذا كان من السجود عزائم أن معها الوجوب ، وأن ما كان منها لا عزيمة معه فتاليه وسامعه بالخيار بين السجود فيه وبين ترك ذلك ، وقد كان وأصحابه رحمهم الله يذهبون إلى أن سجود القرآن الذي هو السجود عندهم ، وهو أربع عشرة سجدة ، منها ( ص ) واجبة ، وكان أبو حنيفة فيما حكاه عنه مالك بن أنس عبد الرحمن بن القاسم يقول في سجود القرآن : إنها عزائم ، وإنها إحدى عشر ، فيها سجدة ( ص ) ، وكان أبو حنيفة ومالك جميعا وأصحابهما لا يعدون في سورة الحج إلا [ ص: 234 ] سجدة واحدة ، وهي التي في أولها وكان فيما حكى لنا الشافعي المزني عنه يذهب إلى أنها أربعة عشرة سجدة سوى ( ص ) ويجعل في الحج سجدتين سجدة في أولها وسجدة في آخرها .
وما قد رويناه مما قد دل عليه ما رواه أبو سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكرنا ، ومما قد رويناه عن علي رضي الله عنه ، مما قد شد ذلك أولى مما قالوه جميعا ، فتكون عزائم السجود التي ذكرها علي هي التي لا بد من الإتيان بها ، وما سواها من سجود القرآن بخلاف ذلك ، ويكون من سمعها أو من تلاها له السجود فيها ، وله ترك ذلك ، وقد روي عن رضي الله عنهما أيضا مما يدخل في هذا الباب ابن عباس
ما قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : مجاهد عن السجدة في ( ص ) ، فقال : ابن عباس أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده . سئل
وما قد حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا ، قال : أنبأنا يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب ، فذكر مثله وزاد : مجاهد . فكان ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به
[ ص: 235 ] وما قد حدثنا ، قال : حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، حصين ، عن والعوام ، عن مجاهد ، ثم ذكر مثله . ابن عباس
وما قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب ، عن شعبة ، عن العوام ، عن مجاهد رضي الله عنهما ابن عباس أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فكان وجه ذلك عندنا - والله أعلم - أن يقتدى به في أن يسجد في مثل ما كان من أنه سجد في ( ص ) ، وقال : داود صلى الله عليه وسلم السجود عنده من الشكر ، وفي ذلك ما قد دل على موافقة ابن عباس عليا رضي الله عنه فيما رويناه عنه من ذلك ، والله نسأله التوفيق .
وقد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه سجد فيها أيضا .
كما حدثنا عبيد بن رجال ، قال : حدثنا ، قال : [ ص: 236 ] أخبرنا أبو مصعب الزهري ، عن إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب السائب بن يزيد رضي الله عنه يسجد في ( ص ) عثمان . أنه رأى
وكما حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا ، حدثنا أبو مروان العثماني ، ثم ذكر بإسناده مثله . إبراهيم بن سعد
قال : وكان ذلك عندنا محتملا أن يكون قصد به إلى الشكر لله - عز وجل - فيما كان منه إلى نبيه أبو جعفر داود صلى الله عليه وسلم من توبته عليه ، ويكون حكمها عنده أن لا سجود فيها إلا لمن قصد إلى السجود فيها لهذا المعنى ، ويكون حكمها خلاف حكم سائر سجود القرآن ، ويحتمل أن يكون سجدها كما يسجد عند تلاوته سجود القرآن سواها لا لهذا المعنى الذي بدأنا بذكره من هذين الاحتمالين .
وقد وجدنا عن رضي الله عنهما فيها [ ص: 237 ] ما قد حدثنا عبد الله بن عمر فهد ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن خصيف ، قال : سعيد بن جبير رضي الله عنهما : أتسجد في ( ص ) ؟ قلت : لا ، قال : فاسجد فيها فإن الله عز وجل يقول : ابن عمر أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ، وكان هذا مما قد يحتمل أن يكون أراد به الاقتداء قال لي بداود صلى الله عليه وسلم ، والسجود فيها لما سجدها داود صلى الله عليه وسلم لمثله ، لا لأنها تسجد لتلاوة خاصة ، كما يسجد غيرها من سجود القرآن ، وبالله التوفيق .
وقد روي عن رضي الله عنهما أنها من سجود القرآن ، كما حدثنا ابن عباس ، قال : حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا هشيم ، عن خالد أبي العريان المجاشعي ، عن رضي الله عنهما ، ابن عباس . وذكر سجود القرآن ، فذكر منها ( ص )
[ ص: 238 ] قال : ففي هذا ما قد دل أن أبو جعفر جعلها كغيرها من سجود القرآن ، وأنها تسجد لتلاوة ، لا لما سواها كما يسجد غيرها . ابن عباس
ثم وجدنا عن أيضا ما يدل أنها ليست من عزائم القرآن . ابن عباس
2804 - كما حدثنا ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق الكوفي ، قال : حدثنا أبو نعيم ، عن عبد السلام بن حرب ، عن أيوب ، عن عكرمة رضي الله عنهما قال : ابن عباس ليس ( ص ) من عزائم سجود القرآن ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بها فسجد فيها ، فدل ذلك أن السجود به فيها عنده بخلاف السجود فيما سواها من سجود القرآن .