[ ص: 314 ] 200 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله : لا صرورة في الإسلام
1282 - حدثنا صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث الأنصاري قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم الأزرق قال : حدثنا ، عن عيسى بن يونس ، عن ابن جريج عمر بن عطاء - قال : وهو ابن أبي الخوار - عن أبو جعفر ، عن عكرمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ابن عباس لا صرورة في الإسلام .
[ ص: 315 ] قال : ولم نجد في هذا الباب حديثا متصل الإسناد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث ، فأما ما سواه من الأحاديث المروية فيها فمنها ما يروى عن أبو جعفر مما لا يتجاوز به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . ابن عباس
فمن ذلك ما حدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا قال : حدثنا أبو نعيم محمد بن شريك ، عن ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ابن عباس لعكرمة : وما الصرورة ؟ قال : يقولون : الذي لم يحج ، ولم يعتمر . لا صرورة في الإسلام ؛ إنه كان الرجل في الجاهلية يلطم وجه الرجل ، ويقول : إنه صرورة . فقيل
1283 - ومنه ما قد حدثنا روح بن الفرج قال : حدثنا قال : حدثنا يوسف بن عدي الكوفي ، عن سفيان ، عن عمرو ولم يذكر عكرمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ابن عباس لا صرورة في الإسلام .
قال سفيان : كان أهل الجاهلية يقولون للرجل إذا لم يحج : هو صرورة . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا صرورة في الإسلام .
[ ص: 316 ] ومنه ما قد حدثنا قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي قال : حدثنا الفضل بن سهل الأعرج قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن شريك ، عن ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ابن عباس
قال : كان الرجل يلطم وجه الرجل في الجاهلية ، ثم يقول : إني صرورة . فيقال : ذروا صرورة وجهله ، ولو ألقى سلاحه في رحله . قلت لعكرمة : وما الصرورة ؟ قال : الذي لم يحج ولم يعتمر ، أو قال : ولم يضح ، أو كما قال . لا صرورة في الإسلام .
ومنه ما يروى موقوفا ، عن عكرمة غير متجاوز به إلى كما . ابن عباس
حدثنا محمد بن خزيمة قال : حدثنا قال : حدثنا حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم الأحول قال : عكرمة . كان يكره أن يقال : صرورة
قال : فتأملنا هذا الحديث لنقف على الصرورة التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تكون في الإسلام ؛ ما هي ؟ فوجدنا في حديث أبو جعفر فهد ، عن أبي نعيم الذي قد رويناه في هذا الباب من كلام أن الرجل كان في الجاهلية يلطم وجه الرجل ، ويقول : إنه صرورة . [ ص: 317 ] فاحتمل أن يكون الملطوم هو الصرورة ؛ لأنه لم يحج ولم يعتمر ، واحتمل أن اللاطم هو الصرورة ، فيعذر في ذلك لجهله الذي من أجله لم يحج ولم يعتمر . ابن عباس
فأردنا أن نقف على حقيقة ذلك فوجدنا في حديث ما قد دل أن اللاطم هو المراد في ذلك لا الملطوم . إسحاق بن إبراهيم بن يونس
1284 - وأجاز لنا هارون بن محمد العسقلاني ما ذكر لنا أن الغلابي حدثه إياه قال : حدثنا قال : حدثنا مصعب بن عبد الله يعني : الزبيري ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار قال : عكرمة كان الرجل يلطم الرجل في الجاهلية فيقول : أنا صرورة فيقال : دعوا الصرورة بجهله ، وإن رمى بجعره في رحله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا صرورة في الإسلام . فكان في ذلك تحقيق ما ذكرنا .
ثم احتجنا أن نقف على إباحة هذا الاسم واستعماله في من لم يحج أو في كراهته ، والنهي عن استعماله ، فوجدنا في حديث صالح بن عبد الرحمن الذي قد رويناه في هذا الباب قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا صرورة في الإسلام . فاحتمل أن يكون ذلك يراد به النهي عن هذا القول في الإسلام ، واحتمل أن يكون يراد به أن لا يبقى في الإسلام أحد حتى يحج ، فيكون في ذلك انقطاع هذا الاسم عن الناس جميعا في الإسلام .
فتأملنا ذلك ، فوجدنا الرجل قد يعجز عن الحج إما لزمانة في [ ص: 318 ] بدنه ، وإما لقلة في ذات يده ، ولا يحج من أجل ذلك ، فيكون من حمل معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا صرورة في الإسلام - أنه يدخل فيه ذلك كان ذلك بعيدا ؛ لأن ذلك المتخلف عن الحج لم يكن مختارا لذلك ، وإنما كان تخلفه عجزا لما قد ذكرنا ، فاستحال أن يكون مذموما بذلك أو يكون هذا الاسم الذي قد ذكرنا مما أريد به ذم من يسمى به يلزمه .
ولما بطل هذا التأويل عقلنا أن المراد به هو أن لا يقال هذا القول لأحد ، وقد روينا ذلك في هذا الباب في حديث ابن خزيمة ، عن حجاج ، عن حماد ، عن ، عن عاصم الأحول عكرمة أنه كره أن يقال : صرورة . وقد روينا ذلك أيضا عن منقطعا مما لم يتقدم ذكرنا له في هذا الباب . ابن مسعود
كما حدثنا قال : حدثنا يوسف بن يزيد حجاج بن إبراهيم قال : حدثنا ، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي قال : قال القاسم بن عبد الرحمن : عبد الله . لا يقولن أحدكم : إني صرورة ؛ فإن المسلم ليس بصرورة
[ ص: 319 ] وقد روي مثل ذلك أيضا عن عامر الشعبي .
كما حدثنا قال : حدثنا يوسف حجاج بن إبراهيم قال : حدثنا ، عن يحيى بن زكريا قال : بشر أبي إسماعيل : الصرورة ؟ فقال : أي شيء الصرورة ؟ ليس الصرورة شيئا لعامر . قال قلت : وهذا أولى عندنا ؛ لأن الصرورة في كلام العرب هو الصر على شيء ، ومنه قوله جل وعز : أبو جعفر ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون .
فمن كان تخلفه عن الحج ليس لإصراره على أن لا يحج ، وإنما هو لعجز أو لما أشبهه مما يسقط به فرض الحج عنه - فليس صاحبه بمصر الإصرار المذموم ، وإذا لم يكن مصرا لم يكن صرورة .
فأما فقد روي عنه إباحة هذا القول . عطاء بن أبي رباح
كما حدثنا قال : حدثنا يوسف حجاج قال : حدثنا ، عن يحيى قال : ابن جريج يقال له : الصرورة . فلا ينكره عطاء . قال كان : وكان ما ذكرناه من كراهة هذا القول أولى عندنا ؛ لأنه وصف بحال مذمومة . والله نسأله التوفيق . أبو جعفر