[ ص: 183 ] 33 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام فيمن قتل نفسه متعمدا هل يجوز أن يغفر له أم لا ؟
195 - حدثنا ، حدثنا الربيع المرادي ، حدثني ابن وهب ، عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن ومالك بن أنس ، عن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن يعني : ابن هرمز الأعرج : أن رسول الله عليه السلام قال : { أبي هريرة الذي يخنق نفسه يخنق نفسه في النار ، والذي يقتحم نفسه يقتحم نفسه في النار ، والذي يطعن نفسه يطعن نفسه في النار } .
196 - حدثنا فهد ، حدثنا ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث النخعي ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا أبو صالح ، عن النبي عليه السلام قال : { أبو هريرة من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده في نار جهنم ، يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في جهنم [ ص: 184 ] خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا فيها مخلدا فيها أبدا } .
197 - حدثنا ، حدثنا محمد بن علي بن زيد المكي أحمد بن محمد القواس ، حدثنا ، عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد قال : أخبرني ابن جريج ، عن فافاه ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن رسول الله عليه السلام مثله . أبي هريرة
قال : أبو جعفر فافاه هذا رجل من أهل الكوفة ، وأهل القرآن ، واسمه إسماعيل بن زياد .
فقال قائل : فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يخالف هذا ، ثم ذكر :
198 - ما حدثنا ، أبو أمية ، وإبراهيم بن أبي داود ومحمد بن إبراهيم بن يحيى بن جناد البغدادي أبو بكر ، قالوا : حدثنا ، حدثنا سليمان بن [ ص: 185 ] حرب ، عن حماد بن زيد ، عن حجاج الصواف ، عن أبي الزبير { جابر الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هل لك في حصن حصين ، ومعه حصن كان لدوس في الجاهلية ، فأبى ذلك النبي عليه السلام للذي ذخر للأنصار ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو ، وهاجر معه رجل فاجتووا المدينة ، فمرض فجزع ، فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه ، فشخبت يداه حتى مات ، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه في هيئة حسنة ، ورآه مغطيا يديه ، فقال له : ما صنع بك ربك ، قال : غفر لي بهجرتي إلى نبيه عليه السلام . قال : ما لي أراك مغطيا يديك ، فقال : قيل لي : لن نصلح منك ما أفسدت ، فقصها الطفيل على رسول الله عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم وليديه فاغفر أن } .
فكان من جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه أنه قد يحتمل أن [ ص: 186 ] يكون الرجل المذكور في هذا الحديث فعل بنفسه ما فعل مما ذكر فيه على أنه عنده علاج تبقى به بقية يديه ، ففعل ما فعل لتسلم له نفسه ، وتبقى له بقية يديه ، فلم يكن في ذلك مذموما ، وكان كرجل أصابه في يده شيء ، فخاف إن لم يقطعها أن يذهب بها سائر بدنه ، ويتلف بها نفسه ، فهو في سعة من قطعها .
فإن لم يقطعها ، وهو يرى أنه بذلك يسلم له بذلك بقية بدنه ، ويأمن على نفسه ، ثم مات منها أنه غير ملوم في ذلك ، ولا معاقب عليه .
وكذلك هذا الرجل فيما فعل ببراجمه حتى كان من فعله تلف نفسه ، وهو خلاف من قتل نفسه طاعنا لها ، أو مترديا من مكان إلى مكان ليتلف نفسه ، أو متحسيا لسم ليقتل به نفسه ، فلم يبن بحمد الله فيما رويناه في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تضاد ولا اختلاف .
فإن قال قائل : ففي هذا الحديث دعا رسول الله عليه السلام ليدي هذا الرجل بالغفران ، ودعاؤه ليديه بذلك دعاء له ، وذلك لا يكون إلا عن جناية كانت منه على يديه استحق بها العقوبة ، فدعا له رسول الله عليه السلام بالغفران ليديه ، فيكون ذلك غفرانا له .
قيل له : ما في هذا الحديث دليل على ما ذكرت ؛ لأنه قد يجوز أن يكون ما كان من رسول الله عليه السلام من ذلك الدعاء ليدي ذلك [ ص: 187 ] الرجل كان لإشفاقه عليه ، ولعمل الخوف من الله كان في قلبه ، فدعا له بذلك لهذا المعنى لا لما سواه ، كما قد روي عنه مما علمه حصينا الخزاعي أبا عمران بن حصين ، وأمره أن يدعو به .
199 - كما قد حدثنا ، حدثنا أبو أمية ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أخبرنا محمد بن بشر العبدي ، حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : حدثنا منصور بن المعتمر ، عن ربعي بن حراش : { عمران بن حصين حصينا بعدما أسلم ، فقال : قل : اللهم اغفر لي ما أسررت ، وما أعلنت ، وما أخطأت ، وما عمدت ، وما جهلت ، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أباه } .
فكان في هذا الحديث تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم حصينا أن يدعو الله أن يغفر له ما أخطأ ، يعني الخطأ الذي هو ضد العمد ، وذلك مما هو غير مأخوذ به ، ولا معذب عليه ؛ لأن الله تعالى قال : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم .
فكان الخطأ الذي ليس معه تعمد القلوب معفوا عنه ، غير مأخوذ به صاحبه ، وكان أمر النبي عليه السلام حصينا أن يدعو الله بغفرانه إياه له [ ص: 188 ] على الرهبة من الله ، والتعظيم له ، والخوف مما عسى أن يكون يخالط قلب المخطئ في حال خطئه ، من ميل إلى ما أخطأ به .
وكذلك ما في حديث جابر من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغفران للرجل المذكور فيه يحتمل أن يكون لمثل هذا أيضا ، والله نسأله التوفيق .