[ ص: 347 ] 763 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : من أدرك عرفة فقد أدرك الحج .
4860 - حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد الطنافسي ، عن سفيان الثوري بكير بن عطاء ، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي ، قال : بعرفات ، فأقبل أناس من أهل نجد فسألوه عن الحج ، فقال : الحج يوم عرفة ، ومن أدرك جمعا قبل صلاة الصبح ، فقد أدرك الحج ، أيام منى ثلاثة أيام التشريق ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه ، ثم أردف خلفه رجلا فنادى بذلك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا .
4861 - حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا شبابة بن سوار ، عن شعبة بكير بن عطاء ، عن عبد الرحمن بن يعمر ، قال : قال [ ص: 348 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله ، غير أنه لم يذكر سؤال أهل نجد إياه ، ولا إردافه الرجل .
فقال قائل : كيف تقبلون هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم على خلافه ؟ لأنكم تقولون : إن من أدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر ، قد بقيت عليه من الحج بقايا ، منها الوقوف بالمزدلفة ، ومنها رمي الجمار ، ومنها الحلق ، ومنها طواف الزيارة الذي هو أوكدها ، والذي لو لحق ببلده ولم يفعله أمر بالرجوع إلى مكة حتى يفعله بها ، وإنه باق في حرمة إحرامه على حاله ، ومنها طواف الصدر ، وإن كان ليس مثله في الوجوب ، والأشياء التي قد ذكرناها في هذه المعارضة تجزئ فيها الدماء ، ولا يجب على تاركها الرجوع لها إلى مكة كما يجب عليه لتركه طواف يوم النحر ، فكيف يكون من هذه سبيله مدركا للحج ؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أن الوقوف بعرفة لا يفوت بعده الحج ، وإن فوته يفوت به الحج ، وإذا جاز أن يكون الحج فائتا بفوت الوقوف بعرفة ، وبعده من أسباب الحج ما بعده منها ، جاز أن يقال : إن من أدرك الوقوف بعرفة مدرك للحج ; لأنه تصدر من يفوته الوقوف بها للحج .
[ ص: 349 ] وهذا كلام عربي خاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم عربا يعقلون مراده منه ، ويفهمون معناه فيه ، وفيما ذكرنا دليل صحيح على نفي الاستحالة فيه ، ومثل هذا مما قد خاطبهم صلى الله عليه وسلم بمثله في غير الحج ، وهو قوله : " من أدرك من الصلاة ركعة ، فقد أدرك الصلاة " . ليس على معنى أنه كمن صلاها ، فلا يحتاج إلى أن يصلي ما يصلي ما بقي منها ، ولكنه قد أدرك من ثوابها ما قد أدركه من دخل فيها من أولها ، وفهم مراده به من خاطبه به ، رضوان الله عليهم ; لأن لغته لغتهم كما قال عز وجل : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ، فإذا كان ما خاطبهم به قد تبينوا به مراده به ، غنوا عن الزيادة فيه ، كما قد جاء القرآن بأشياء متجاورة في هذا المعنى مثل هذا منها : ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا ، وغني عما سوى ذلك مما قد اختلف أهل العلم باللغة فيه ، ما هو ؟ فقال بعضهم : هو لكفروا به ، وقال بعضهم : لكان هذا القرآن ، والله أعلم بمراده به .
ومثل ذلك قوله عز وجل : ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم ، وغني بذلك عن ذكر ما يكون لولا فضله ورحمته لفهمهم المراد بذلك ، وفيما ذكرنا كشف المعنى فيما قد روينا في هذا الباب ، والله نسأله التوفيق .