[ ص: 415 ] 775 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : " من قتل عمدا فقود يده " .
4900 - حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، عن سعيد بن سليمان الواسطي ، قال : حدثنا سليمان بن كثير ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عباس من قتل في عميا ورميا يكون بينهم بحجر أو بسوط أو بعصا ، فعقله عقل خطأ ، ومن قتل عمدا فقود يده ، ومن حال بينه وبينه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا .
قال : فطعن طاعن في هذا الحديث ، فقال : قد روى هذا الحديث ، عن أبو جعفر عمرو من هو أثبت من سليمان بن كثير ، وهو ، فذكر . [ ص: 416 ] سفيان بن عيينة
ما قد حدثنا ، قال : حدثنا يونس ، عن سفيان ، عن عمرو مثله ، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا طاوس . ابن عباس
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أن سفيان قد كان يحدث به هكذا بأخرة ، وقد كان يحدث به قبل ذلك ، كما حدث به سليمان بن كثير ، ولو اختلفا ، لكان سليمان مقبول الرواية ، ثبتا فيها ممن لو روى حديثا فتفرد به ، لكان مقبولا منه ، وإذا كان كذلك كان فيما زاده على غيره في حديث مقبولة زيادته فيه عليه .
ثم تأملنا معنى قوله : " فقود يده " فكان ذلك عندنا ، والله أعلم ، على أن الواجب لولي المقتول كذلك القود لا ما سواه .
قال قائل : فأنتم تروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى خلاف ما ذكرتم ، وذكر ما قد .
4901 - حدثنا ، قال : حدثنا بكار ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، عن حرب بن شداد ، قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثني أبو سلمة ، قال : أبو هريرة مكة ، [ ص: 417 ] قتلت هذيل رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب ، فقال في خطبته : من قتل له قتيل ، فهو بخير النظرين : إما أن يقتل ، وإما أن يودى لما فتح الله - عز وجل - على رسوله .
4902 - وما قد حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي ، عن الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا الأوزاعي ، ثم ذكر بإسناده مثله . يحيى بن أبي كثير
[ ص: 418 ] فكان في هذا الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ولي المقتول بالخيار بين الشيئين المذكورين فيه ، وفي الحديث الذي رويته قبله أنه جعل له شيئا واحدا وهو القود ، وهذا اختلاف شديد .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أنه لا اختلاف في ذلك كما توهم ، وذلك أن في الحديث الأول الذي رويناه عن ذكر الواجب ، وأنه القود ، والذي في حديث ابن عباس الذي رويناه بعده : أن لولي المقتول أن يقتل ، وهو القود الذي في حديث أبي هريرة ، فذلك عندنا ، والله أعلم ، على أداء القاتل الدية إلى ولي المقتول ، وقبول ولي المقتول إياها منه ، فكان ذلك بمعنى الصلح من الدم على الدية التي أديت إليه . ابن عباس
فقال هذا القائل : فقد روى أبو شريح الخزاعي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث بما يدل على خلاف ما ذكرت ، وذكر ما قد .
4903 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا مسدد ، عن يحيى وهو ابن سعيد ، قال : حدثني ابن أبي ذئب ، قال : سمعت سعيد المقبري أبا شريح الكعبي يقول : خزاعة ، قتلتم هذا القتيل من هذيل ، وإني عاقله ، فمن قتل له بعد مقالتي قتيل ، فأهله بين خيرتين ، بين أن يأخذوا العقل ، وبين أن يقتلوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته [ ص: 419 ] يوم فتح مكة : ألا إنكم معشر .
قال : ففي هذا الحديث أخذ ولي المقتول الدية من القاتل ، لا تبيين أن ذلك بإدامته إياها لهم .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أن ذلك مما في هذا الحديث ، ليس بخلاف لما في حديث الذي رويناه قبله ; لأن في حديث أبي هريرة أداء [ ص: 420 ] من القاتل ، وفي حديث أبي هريرة أبي شريح أخذ ولي المقتول من القاتل ، فتصحيحهما على أداء من القاتل على ما في حديث وأخذ من الولي لذلك على ما في حديث أبي هريرة ، أبي شريح .
وهذه مسألة قد اختلف أهل العلم فيها : فقائلون منهم يقولون هذا القول الذي ذكرناه ، وصححنا عليه هذين الحديثين ، وهو مذهب أهل الحجاز وأهل العراق جميعا ، وقائلون يقولون : إن لولي المقتول أن يأخذوا الدية من القاتل شاء أم أبى ، ويحتجون في ذلك بما تأول هذا المتأول هذا الحديث عليه ، وممن ذهب إلى ذلك ، وقالوا : على القاتل استحياء نفسه ، فإذا لم يفعل ما عليه أخذ به ، وإن كره . الشافعي
فكان جوابنا لمن احتج بذلك : أن على القاتل استحياء نفسه كما ذكر ، وأن عليه أن يستحييها بالدية وبما سواها مما يملك ، حتى يعود بذلك حاقنا لدمه ، وأجمعوا جميعا : أن ولي المقتول لو طلب من القاتل داره أو عبده على أن يأخذ ذلك منه ، ويرفع القود عنه ، أن على القاتل فيما بينه وبين ربه أن يفعل ذلك ، وأنه غير مجبر عليه إن أباه ، فكان ما سوى ذلك من ماله ، كذلك لا يكون مجبرا على استحياء نفسه به ، ولا مأخوذا منه على ذلك بغير طيب نفسه .
فقال هذا القائل : فلم احتيج في ذلك إلى ذكر هذا ؟ قيل له : لأن الشريعة كانت في بني إسرائيل في القتل العمد القود لا ما سواه ، وكان القود واجبا على القاتل ليس لأحد دفع ذلك عنه ، فخفف الله عن هذه الأمة بما أنزل في كتابه في ذلك .
[ ص: 421 ]
كما قد حدثنا ، قال : حدثنا يونس ، عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن مجاهد ، قال : ابن عباس بني إسرائيل ولم يكن فيهم دية ، فقال الله لهذه الأمة : كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر إلى قوله عز وجل : فمن عفي له من أخيه شيء فالعفو في أن يقبل الدية في العمد ذلك تخفيف من ربكم ، مما كان كتب على من قبلكم . كان القصاص في
فكان ما في هذا الحديث ، من إخبارا منه عن المعنى الذي من أجله خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح ابن عباس مكة بما خطب به من إباحة أخذ الدية في الدم العمد ; لأن ذلك كان محرما على من قبل أمته وليس من شرائع دينهم ، وجعله الله - عز وجل - من شريعته ، ومما قد تعبد أمته به ، فخطب به على الناس ليعلموه .
وقد روى هذا الحديث حماد بن سلمة ، عن عمرو ، فخالف ابن [ ص: 422 ] عيينة في إسناده ، وقصر في بعض ألفاظه كما حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن أبو عامر العقدي ، عن حماد ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد : ابن عباس كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر إلى آخر الآية ، قال : كتب على بني إسرائيل القصاص ، وأرخص لكم في الدية : فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ، قال : مما كتب على بني إسرائيل فيما عاد إلى الرخصة لم يكن مأخوذا ممن يؤخذ منه إلا بطيب نفسه بذلك .
وفيما ذكرنا كفاية ودليل ، وأن لا تضاد في شيء مما رويناه في هذا الباب ، والله نسأله التوفيق .