[ ص: 390 ] 213 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في استغفاره يوم الحديبية للمحلقين مرتين وللمقصرين مرة
1362 - حدثنا قال : أخبرنا يونس أن ابن وهب حدثه ، عن مالكا ، عن نافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : عبد الله بن عمر اللهم ارحم المحلقين ! قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : اللهم ارحم المحلقين ! قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : والمقصرين .
1363 - حدثنا فهد قال : حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني قال : حدثنا ، عن محمد بن فضيل ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة
اللهم اغفر للمحلقين ! قيل : والمقصرين ؟ قال : اللهم اغفر للمحلقين ! قيل : والمقصرين ؟ قال : والمقصرين . [ ص: 391 ] قال : ففي هذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استغفر للمحلقين مرتين وللمقصرين مرة . قال قائل : قد أباح الله عز وجل في كتابه الحلق والتقصير في الإحرام ، ووصف أبو جعفر أهل الحديبية بدخولهم المسجد الحرام عليه ووعدهم ذلك فقال : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون . فكان "المحلقين" بأمر الله حلقوا ، والمقصرين" بأمر الله قصروا - فمن أين فضل المحلقون في ذلك على المقصرين ؟
قيل له : لمعنى قد روي عن عبد الله بن عباس فيه .
1364 - وهو ما قد حدثنا قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال : حدثني ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : ابن عباس حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يرحم الله المحلقين ! قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين ؟ قال : يرحم الله المحلقين ! قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين ؟ قال : يرحم الله المحلقين ! قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين ؟ قال : والمقصرين . قالوا : فما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم ؟ قال : إنهم لم يشكوا .
[ ص: 392 ]
1365 - وما قد حدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا يوسف بن بهلول قال : حدثنا قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، ثم ذكر بإسناده مثله . محمد بن إسحاق
1366 - - [ وما قد حدثنا ] قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح قال : مجاهد : لم ظاهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة ؟ قال : لأنهم لم يشكوا لابن عباس . قلت
فكان فيما روينا تفضيل المحلقين على المقصرين ؛ لأنهم لم [ ص: 393 ] يشكوا ، فكان في ذلك إثبات الشك من المقصرين .
فقال هذا القائل : وما كان شك المقصرين في ذلك ؟ قيل له : كان لمعنى ذكره . جابر بن عبد الله
1367 - وهو ما قد حدثنا عبيد بن رجال قال : حدثنا محمد بن يوسف أبو حمة قال : حدثنا ، عن أبو قرة موسى بن طارق زمعة بن صالح ، عن ، عن زياد بن سعد أنه سمع أبي الزبير يقول : جابر بن عبد الله بالبيت ، فقصروا .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يرحم الله المحلقين ! فقال رجال : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : رحم الله المحلقين ! فقال رجال : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : رحم الله المحلقين ! قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : والمقصرين حلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية وحلق ناس كثير من أصحابه حين رأوه حلق ، وأمسك آخرون فقالوا : والله ما طفنا .
فكان في هذا الحديث أنه كان في قلوبهم أنهم رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلق في غير موضع الحلق الذي كانوا يعلمون الحلق فيه ، ويقفون عليه من شريعته ، وقد كان يجب عليهم أن يكون اقتداؤهم واتباعهم له فيما رأوه يفعله أوثق في قلوبهم مما تقدم علمهم له منه قبل ذلك ، وكانوا بذلك مقصرين في الواجب له عليهم - صلى الله عليه وسلم - في ذلك .
وكان [ ص: 394 ] الحالقون فاعلين لما يجب عليهم من امتثال فعله ، وترك التخلف عن القدوة به ، ففضلوا بذلك من تخلف عن مثله لا لفضل في الحلق على التقصير ، ولكن ؛ لأن السبق إلى المعرفة للأشياء يوجب الفضيلة للسابقين إليها كما وجب لأبي بكر رضي الله عنه بسبقه الناس إلى تصديقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إتيانه بيت المقدس من مكة ورجوعه منه إلى منزله بمكة في تلك الليلة حتى سمي بذلك الصديق وإن كان [ ص: 395 ] المؤمنون جميعا يشهدون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك إذا وقفوا عليه .
وكما استحق خزيمة بن ثابت الأنصاري أن جعلت شهادته شهادة رجلين ؛ لما شهد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأعرابي أنه بايعه البعير الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتاعه منه عند جحود الأعرابي ذلك . وعند قوله له : هلم شهيدا يشهد لك . فلما شهد له خزيمة بما شهد له به قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيف شهدت ولم تكن معنا ؟ قال : شهدت بتصديقك . فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك شهادته بشهادة رجلين .
وسنذكر هذا الحديث بإسناده فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله . والناس جميعا يشهدون بصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن خزيمة لما سبقهم إلى ذلك استحق الفضيلة عليهم فيه .
فمثل ذلك المحلقون استحقوا الفضيلة على المقصرين بسبقهم إياهم إلى طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقتدائهم به ، وأخذهم ما آتاهم إياه ، وانتفاء الشك من قلوبهم في ذلك ، وعلمهم أن ما عاينوا منه أولى بهم مما قد تقدم علمهم له منه مع أنا قد روينا أن المقصرين في ذلك إنما هما رجلان : أحدهما من قريش ، والآخر من الأنصار .
1368 - كما قد حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق هارون بن إسماعيل الخزاز قال : حدثنا علي بن المبارك قال : حدثنا أن يحيى بن أبي كثير أبا إبراهيم حدثه [ ص: 396 ] عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية حلق ، وحلق أصحابه رؤوسهم غير رجلين : رجل من الأنصار ، ورجل من قريش .
قال : ولم نجد هذا التبيان في حديث أحد ممن روى هذا الحديث عن أبو جعفر غير يحيى بن أبي كثير علي بن المبارك . فأما فلم يذكر ذلك في حديثه هذا ، عن الأوزاعي يحيى .
1369 - كما حدثنا قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي ، عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير أبي إبراهيم الأنصاري قال : حدثنا قال : أبو سعيد الخدري سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يستغفر يوم الحديبية للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة .
قال : وليس أبو جعفر علي بن المبارك بدون ، والله نسأله التوفيق . الأوزاعي