[ ص: 206 ] 679 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله فيما تصدق به على بريرة فأهدته إلى : " هو عليها صدقة ، ولنا هدية " عائشة
4387 - حدثنا ، أنبأنا يونس قال : وأخبرني ابن وهب ، عن مالك ، عن ربيعة ، عن القاسم بن محمد زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها أنها قالت : عائشة بريرة ثلاث سنن ، فكانت إحدى السنن الثلاث أنها أعتقت ، فخيرت في زوجها ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولاء لمن أعتق ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والبرمة تفور بلحم ، فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألم أر برمة فيها لحم ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة ، وأنت لا تأكل الصدقة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو عليها صدقة ، وهو لنا منها هدية كان في .
[ ص: 207 ]
4388 - وحدثنا محمد بن أحمد الجواربي ، حدثنا ، حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، حدثنا أبي ، عن شعبة ، سمع قتادة رضي الله عنه يقول : أنس بن مالك بريرة إلى النبي [ ص: 208 ] صلى الله عليه وسلم لحما تصدق به عليها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو لنا هدية ، وعليها صدقة أهدت .
قال : وفي هذا الباب أحاديث سوى هذه ، قد أتينا ببعضها فيما تقدم منا في هذه الأبواب ، ومما سنأتي بها في بقية هذه الأبواب . وهذا عندنا - والله أعلم - لأن تلك الصدقة خرجت من ملك من تصدق بها على أبو جعفر بريرة إلى ملك بريرة إياها ، وخرجت بعد ذلك من ملكها إياها إلى ملك من أهدتها إليه ممن تحرم عليه الصدقة إما لنسبه ، وإما لما سوى ذلك من يساره ، وكانت له حلالا ; إذ كان إنما ملكها بالهدية لا بالصدقة .
وقد استدل قوم بهذا على إباحة الهاشمي العمل على الصدقة والاجتعال منها ، وإن كانت الصدقة عليه حراما ; لأنه يأخذ ما يأخذ بعمله عليها لا بصدقة أهلها به عليه ، وممن قال ذلك منهم : ، وكره ذلك آخرون ; لأن الصدقة إنما تخرج من ملك ربها إلى مستحقيها ، وفيهم العاملون عليها ، فإذا كانت لا تحل لهم لم يحل لهم أن يأخذوها جعلا على عملهم عليها ، لأنهم يأخذون ما هو حرام عليهم . أبو يوسف
[ ص: 209 ] فقال قائل : فقد رأينا الغني جائزا له أن يعمل عليها ، وأن يأخذ عمالته منها ، ولم تحرم عليه بخروجها من ملك المتصدق بها إلى ملكه ، قال : فمثل ذلك ذو النسب الذي تحرم عليه الصدقة بنسبه في عمله على الصدقة ، وفي أخذه ما يأخذه منها بعمالته عليها ، كذلك أيضا لا تحرم عليه وإن كان إنما يخرج من ملك المتصدق بها إلى ملكه .
فكان جوابنا له في ذلك أنا لو خلينا والقياس لكان هو ما قد ذكر ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان منه في ذلك ما قد دل على خلاف هذا المعنى .
4389 - كما قد حدثنا حدثنا أبو أمية ، ، حدثنا قبيصة بن عقبة ، عن سفيان الثوري ، عن موسى بن أبي عائشة عبد الله بن أبي رزين ، عن أبيه ، عن رضي الله عنه قال : علي بن أبي طالب للعباس : سل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملك على الصدقات ، فسأله ، فقال : ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس قلت .
[ ص: 210 ] فعقلنا بذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كره للعباس استعماله على الصدقة لرفعته إياه أن يكون عاملا على غسالة ذنوب الناس ، لا لما سوى ذلك من حلها له لو عمل عليها .
ومثل ذلك ما قد روي عنه في أبي رافع للولاء الذي له في بني هاشم .
4390 - كما قد حدثنا بكار بن قتيبة قالا : حدثنا وإبراهيم بن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن الحكم ابن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن أبيه لأبي رافع : اصحبني كيما تصيب منها ، فقال : حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله ، فأتاه فسأله ، فقال : إن آل محمد لا تحل لهم الصدقة ، وإن مولى القوم من أنفسهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال .
[ ص: 211 ]
4391 - وكما حدثنا ، حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، عن ورقاء بن عمر قال : دخلت على عطاء بن السائب أم كلثوم ابنة علي ، فقالت : إن مولى لنا يقال له : ، أخبرني هرمز أو كيسان أنه مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فدعاني فجئت ، فقال : يا فلان ، إنا أهل بيت لا نأكل الصدقة ، وإن مولى القوم من أنفسهم ، فلا تأكل الصدقة .
[ ص: 212 ]
4392 - وكما حدثنا حدثنا يحيى بن عثمان ، ، حدثنا نعيم ، أنبأنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب أم كلثوم ، عن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له : ميمون أو مهران أنه قال : ميمون - أو مهران - إنا أهل بيت نهينا عن الصدقة ، وإن موالينا من أنفسنا ، فلا تأكل الصدقة يا .
وقد عقلنا في حديث أبي رافع الذي قد رويناه في هذا الباب أنه لم يرد به في اتباع المخزومي الوالي على الصدقة أن يصيب منها إلا [ ص: 213 ] ما يكون عمالة له لا لما سوى ذلك منها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ما قال له فيه ، وكان ذلك عندنا - والله أعلم - كما قال مثله للعباس لما سأله أن يستعمله على الصدقة التي هي غسالة ذنوب الناس ، لا على أنهم لو عملوا عليها لم يحرم عليهم ما يأخذونه منها بعمالتهم عليها ، كما لا يحرم ذلك على الغني إذا عمل عليها بالغنى الذي يحرم به عليه مثلها ، فهذا وجه هذه الآثار ، والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، والله نسأله التوفيق .