[ ص: 91 ] 361 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أدرك ركعة من الصلاة أنه قد أدرك الصلاة ، وفضلها .
2318 - حدثنا قال : حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي قال : حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار المرادي نافع بن يزيد ، عن ، عن ابن الهاد عبد الوهاب بن أبي بكر ، عن ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وفضلها .
قال : فتأملنا هذا الحديث فلم نجد أحدا رواه عن أبو جعفر بإدراك الصلاة وفضلها غير ابن شهاب عبد الوهاب بن أبي بكر ، وهو مقبول الرواية ، وقد وجدنا رواه عن الليث بن سعد ابن الهاد ، عن بغير ذكر ابن شهاب لعبد الوهاب فيه ، وبغير ذكر في إدراك فضل الصلاة .
[ ص: 92 ]
2319 - كما حدثنا محمد بن خزيمة وفهد ، قالا : حدثنا ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن ابن الهاد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبي هريرة من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة .
فكان في ذلك ما وجب علينا تأمله فتأملناه فوجدنا مدرك الصلاة مدركا لفضلها ، فكان ما رواه الليث عليه كافيا لنا مما زاد نافع عليه فيه ، ثم تأملناه من رواية غير عبد الوهاب وغير ابن الهاد ، عن كيف هو . ؟ ابن شهاب
2320 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا يونس قال : حدثني ابن وهب ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة .
[ ص: 93 ]
2321 - ووجدنا قد حدثنا قال : أخبرنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة يرفعه قال : أبي هريرة من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك .
قال : فكان موافقا لما رواه أبو جعفر الليث أيضا عليه ، ومخالفا لما رواه نافع ، وعقلنا أن ذلك الإدراك إنما هو لفضل الصلاة لا إدراك الصلاة نفسها ؛ لأنه لو كان إدراكا لها نفسها لما وجب عليه قضاء بقيتها ، ولما كان ذلك كذلك تأملنا ما يقوله كثير من أهل العلم في مدرك هذا المقدار من الصلاة أنه يكون به مدركا لها في وجوب فرضها عليه ، وفي قضاء ما فاته منها على مثل ما صلاه مدركوها ، ويجعلون من أدرك منها ما دون ذلك منها بخلاف ذلك ، حتى قال الحجازيون منهم في الحائض تطهر من حيضتها وقد بقي عليها من [ ص: 94 ] وقت الصلاة التي طهرت في وقتها مقدار ركعة منها : إنه واجب عليها قضاؤها ، وفي الصبي إذا بلغ في مثل ذلك الوقت منها ، وفي النصراني إذا أسلم في مثل ذلك الوقت منها : إنهما يقضيان تلك الصلاة ، وأن هؤلاء الثلاثة الذين ذكرنا لو كان ذلك منهم ، وقد بقي من وقت تلك الصلاة أقل من ركعة إنهم بخلاف ذلك وإنهم لا يجب عليهم قضاؤها ، وقالوا في مثل ذلك في صلاة الجمعة : من أدرك منها ركعة قضى أخرى ، ومن أدرك منها ما دون الركعة صلى أربعا ، ويحتجون في ذلك بالحديث الذي قد رويناه في أول هذا الباب .
ووجدنا من الحجة عليهم لمخالفيهم في ذلك من العراقيين ممن يقول في الحيض إذا طهرت في وقت الصلاة ، وقد بقي عليهن من وقتها مقدار ما يغتسلن فيه ، ويدخلن فيها بتكبيرة وهو أقل القليل منها إنه يجب عليهن قضاء تلك الصلاة ، ويقولون مثل ذلك في الصبيان إذا بلغوا وفي النصارى إذا أسلموا ، ويقولون في من دخل في التشهد في صلاة الجمعة : إنه يكون بذلك من أهلها وإنه يقضي ما بقي عليه من صلاة الجمعة ، وجعلوه في ذلك كمدرك ركعة منها أنه قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إدراك القليل من الصلاة مثل الذي قد روي عنه في الآثار التي ذكرنا في إدراك الركعة منها .
2322 - كما قد حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، عن أبو عوانة ، عن يعلى بن عطاء قال : سعيد بن المسيب رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار وهو وجع فقال : من في البيت ؟ فقيل : أهلك وولدك وجلساؤك في المسجد ، قال : فأجلسوني ، قال : فأسنده ابنه إلى [ ص: 95 ] صدره ثم قال : لأحدثنكم اليوم حديثا ما حدثت به منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم احتسابا ، وما أحدثكموه اليوم إلا احتسابا ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن العبد المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ، ثم عمد إلى المسجد لم يرفع رجله اليمنى إلا كتبت له بها حسنة ، ولم يضع اليسرى إلا حطت عنه بها خطيئة حتى يبلغ المسجد ، فليتقرب أو ليتباعد ، فإن أدرك الصلاة في الجماعة مع القوم غفر له ما تقدم من ذنبه ، وإن أدرك منها بعضا وسبق ببعض فقضى ما فاته فأحسن ركوعه وسجوده كان كذلك ، وإن جاء والقوم قعود كان كذلك دخلنا على .
فكان في هذا الحديث في إدراك أقل القليل من الصلاة مثل ما في الآثار الأول من إدراك ركعة منها ، وإذا كان ما قد روي في إدراك الركعة منها معناه معنى إدراك الفضل ، فدل ذلك مخالفهم على أنه يكون من أدرك ذلك من الصلاة يكون به من أهلها كمدركي ما هو أكثر من ذلك منها ، كان ما رويناه في هذا الحديث يدلهم على أن مدرك أقلها في حكم مدرك ذلك منها والله أعلم .
[ ص: 96 ] وممن كان يقول هذا القول من العراقيين أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ، إلا أن محمدا خالف أبا حنيفة وأبا يوسف في الجمعة فقال فيها كما قال الحجازيون فيها ، وهذا الذي ذكرناه هو وجه النصفة في هذا الباب .
فإن قال قائل : قد يحتمل ما رويته في أول هذا الباب كان بعد ما رويته في آخره ، فيكون ناسخا له ، قيل له : وقد يحتمل أن يكون هذا الحديث الذي رويناه في آخره فيكون ناسخا له .
ولما كان ذلك كذلك كانت الحجتان متكافئتين ، غير أن لأهل القول الآخر في ذلك من حمل الحديث الآخر على الزيادة على ما في الحديث الأول أن الله عز وجل إذا تفضل على عباده بنعمة أنعمها عليهم من الثواب على عمل يعملونه له لم ينسخه بقطع ذلك الثواب عنهم ، ولا ينقضهم منه إلا بذنوب تكون منهم يستحقون بها ذلك ، ومن ذلك قوله عز وجل : فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم . الآية .
وكان ما في الحديث الآخر من الثواب الزائد على ما في الحديث الأول الذي رويناه في أول هذا الباب نعمة من الله على عباده ، وفضلا تفضل به عليهم ، فاستحال أن ينسخ ذلك ، وأن يدفعه عنهم إلا بذنوب تكون منهم يستحقون بها ذلك ، ولم يكن ذلك منهم بحمد الله ونعمته ، فثبت بما ذكرنا بقاء حكم ما في الحديث الآخر وعدم نسخه ، وثبت أن [ ص: 97 ] الاستدلال بما فيه على الواجب من الاختلاف الذي ذكرناه فيما ذكرنا اختلاف أهل العلم فيه أولا من الاستدلال على ذلك بما في الحديث الأول ، مع أنا لو خلينا والقياس لكان الواجب عندنا في الحائض التي ذكرنا ، وفي الصبي وفي النصراني اللذين ذكرنا ، أنه لا يجب عليهم قضاء الصلاة التي ذكرنا إلا بأن يدركوا من الوقت الذي صاروا فيه من أهل الصلاة مقدارها بكمالها ، كما لا يجب عليهم من الصيام إلا ما أدركوا وقته بكماله ، وقد كان زفر يقول هذا القول ، غير أن ما دل على خلافه مما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى عندنا منه ، والله تعالى نسأله التوفيق .