[ ص: 154 ] 99 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام في حديث الظلة الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا الباب من قولهلأبي بكر فيه : لا تقسم ، هل هو لكراهية القسم أم لما سوى ذلك ؟
قد روينا في هذا الباب الذي قبل هذا الباب قول أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما عبر الرؤيا التي عبرها فيه : أصبت أو أخطأت ؟ وقول النبي عليه السلام له : أصبت بعضا وأخطأت بعضا وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : أقسمت عليك لما أخبرتني ما أصبت مما أخطأت ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : لا تقسم ، فاحتمل أن يكون ذلك لكراهيته للقسم أو لما سوى ذلك ، فطلبنا الحقيقة في ذلك .
فوجدنا الله تعالى قد ذكر القسم في غير موضع من كتابه ، فمن ذلك قوله تعالى : لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة في معنى أقسم بيوم القيامة وأقسم بالنفس اللوامة ، وكانت لا فيهما صلة .
[ ص: 155 ] ومن ذلك قوله : فلا أقسم بمواقع النجوم في معنى أقسم بمواقع النجوم ، وكانت " لا " في ذلك صلة .
ومن ذلك قوله تعالى : إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فكان ذلك على قسمهم أن يصرموها مصبحين ، وكان الذي ينبغي لهم في ذلك أن يصلوه بالرد إلى مشيئة الله تعالى فلم ينكر عليهم قسمهم وأنكر تركهم تعليق ذلك إلى مشيئة الله فيه .
ثم نظرنا فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يدل على الحقيقة كانت في ذلك .
673 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا محمد بن علي بن داود محمد بن عبد الواهب ، حدثنا ، عن يعقوب بن عبد الله القمي جعفر بن عبد الله ، عن ، [ ص: 156 ] عن سعيد قال : ابن عباس عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار فلما دنا من منزله سمعه يتكلم في الداخل ، فلما استأذن عليه فدخل فلم ير أحدا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : سمعت تكلما عندك فقال : يا رسول الله لقد دخلت الداخل اغتماما بكلام الناس مما بي من الحمى فدخل علي داخل ما رأيت رجلا بعدك أكرم مجلسا ولا أحسن حديثا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإن منكم رجالا لو أن أحدهم يقسم على الله لأبره .
674 - وقد وجدنا ، حدثنا قال : حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري ، عن عبد العزيز بن أبي حازم كثير بن زيد ، عن ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة رب أشعث ذي طمرين تنبو عنه أعين الناس لو أقسم على الله لأبره .
[ ص: 157 ]
675 - ووجدنا بكارا قد حدثانا قالا : حدثنا وابن مرزوق ، عن عبد الله بن بكر السهمي ، عن حميد الطويل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنس إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره .
676 - ووجدنا محمد بن عزيز قد حدثنا قال : حدثنا سلامة ، عن ، عن عقيل ، عن ابن شهاب قال : قال رسول الله عليه السلام : أنس البراء بن مالك كم ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبر قسمه ، منهم .
677 - ووجدنا عبد الغني بن أبي عقيل اللخمي قد حدثنا قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، حدثنا ، عن شعبة أشعث بن سليم ، عن معاوية بن سويد بن مقرن ، [ ص: 158 ] عن قال : البراء بن عازب أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبرار المقسم .
678 - ووجدنا قد حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق أبو داود قالا : حدثنا ووهب بن جرير ... ثم ذكر بإسناده مثله غير أنه قال : شعبة بإبرار القسم .
679 - ووجدنا قد حدثنا قال : حدثنا بكارا وحدثنا مؤمل فهد ، حدثنا قالا : حدثنا أبو نعيم ، عن سفيان ، عن معبد بن خالد حارثة بن وهب الخزاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بأهل الجنة : كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ، [ ص: 159 ] ألا أنبئكم بأهل النار : كل عتل جواظ مستكبر .
680 - ووجدنا أحمد بن داود قد حدثنا قال : حدثنا ، حدثنا علي بن بحر بن بري ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن أسامة بن زيد حفص بن عبيد الله بن أنس قال : سمعت يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنسا رب أشعث أغبر ذي طمرين مصفح على أبواب الناس لو أقسم على الله عز وجل لأبره .
[ ص: 160 ] فعقلنا بما تلونا من كتاب الله وبما روينا من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة القسم ؛ لأن القسم لو كان مكروها لكان مستعمله عاصيا ولما أبر الله قسمه .
فقال قائل : فما معنى قوله لأبي بكر حين أقسم عليه : لا تقسم .
قيل له : إن قسم أبي بكر كان عليه ليخبره بحقيقة الخطأ من حقيقة الصواب ، وكان ذلك غير موصول إليه في ذلك المعنى ؛ لأن العبارة إنما هي بالظن والتحري لا بما سواهما ، وقد روي مثل ذلك فيها .
كما .
حدثنا ، حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا نعيم بن حماد ، عن أبو قتيبة ، عن مهدي بن ميمون قال : محمد بن سيرين وقال للذي ظن أنه ناج منهما . التفسير يعني الرؤيا إنما هو ظن أظنه وليس بحلال ولا حرام ، ثم قرأ :
قال أحمد : يعني أن يوسف عليه السلام قال للذي ظن أنه ناج منهما ، فكان تعبير رسول الله صلى الله عليه وسلم لمثلها من هذا الجنس أيضا ، وكان نهيه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر عن القسم عليه ليخبرنه إياه لهذا المعنى لا لما سواه ، ومما قد دل على ذلك أن أبا بكر قد أقسم بعد رسول الله عليه السلام .
كما .
حدثنا ، حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا مسدد أمية بن خالد ، حدثنا ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم قال : أبيه [ ص: 161 ] قد استعمل أبو بكر عمر على الشام فلقيه وأنا أشد الإبل بأقتابها ، فلما أراد أن يرتحل قال له الناس : أتدع عمر ينطلق إلى الشام وهو هاهنا يكفيك الشام ، فقال : أقسمت عليك لما أقمت . كان
فدل ذلك على أن موضع نهي النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر كان عند أبي بكر لما قد ذكرنا لا لما سواه من كراهية القسم ، وقد أقسم بعد ابن عباس أبي بكر أيضا .
كما .
حدثنا ، حدثنا بكار ، حدثنا يحيى بن حماد ، عن أبو عوانة ، عن سليمان يعني الأعمش إسماعيل بن رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن قال : ابن عباس أبو بكر جاء العباس وعلي إلى أبي بكر في أشياء تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : شيء تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحركه لا أحركه ، فلما استخلف عمر اختصما إليه فقال عمر : شيء تركه أبو بكر إني لأكره أن أحركه ، فلما ولي عثمان اختصما إليه ، قال : فأسكت عثمان ونكس رأسه ، فقال : فضربت بيدي على كتفي ابن عباس العباس وقلت : يا أبتاه أقسمت عليك لما سلمته لعلي ، قال : فسلمه لعلي . لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف
[ ص: 162 ] فدل ذلك على أن معنى ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الحديث من قوله لأبي بكر : لا تقسم ، لم يكن معناه عند أيضا على كراهية القسم ، ولكن للمعنى الذي ذكرنا ، والله نسأله التوفيق . ابن عباس