[ ص: 306 ] 691 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يدل على لزوم الكفالات بالأنفس
4463 - حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا ، حدثنا يوسف بن عدي الكوفي ، عن عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة أبي المهلب ، عن قال : عمران بن الحصين ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عامر بن صعصعة ، فمر به على النبي صلى الله عليه وسلم وهو موثق ، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : على ما أحبس ؟ فقال : " لجريرة حلفائك ، قال : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فناداه ، فأقبل إليه ، فقال له الأسير : إني مسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو قلتها وأنت تملك أمرك لأفلحت كل الفلاح " ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فناداه أيضا ، فأقبل ، فقال : إني جائع فأطعمني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هذه حاجتك " ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم فداه بالرجلين اللذين كانت ثقيف أسرتهما . أسرت
[ ص: 307 ]
4464 - وحدثنا فهد ، حدثنا ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة أبي المهلب ، عن قال : عمران بن حصين محمد ، على ما تأخذونني ، وتأخذون سابقة الحاج وقد أسلمت ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو قلتها وأنت تملك أمرك لأفلحت كل الفلاح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آخذك بجريرة حلفائك " ، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار عليه قطيفة ، فقال : يا محمد ، إني جائع فأطعمني ، وظمآن فاسقني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 308 ] " هذه حاجتك " ، ثم إن الرجل فدي بالرجلين وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله كانت العضباء لرجل من عقيل أسر ، فأخذت العضباء منه ، فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا .
فتأملنا هذا الحديث فوجدنا فيه ما قد دلنا على أن القوم الذين كان منهم ذلك الأسير لم يكن بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم أمان ولا موادعة لاحتباسه الراحلة ، ولا يجوز أن يحبسها إلا لأنه لا أمان ولا موادعة كانتا فيما بينه وبين أهلها . وكان في هذا الحديث وقوف رسول الله صلى الله عليه وسلم على إسلام ذلك الأسير ، وتركه رفع الأسر عنه بإسلامه ، لأن الإسلام في هذا لا يرفع واجبا قبله ، ألا ترى أن الأسير لو كان كتابيا وكان يسترق لو لم يسلم أنه يسترق وإن أسلم ؟ وأن الإسلام لا يرفع عنه إلا القتل خاصة ؟ فكذلك ذلك الأسير لم يرفع عنه إسلامه الذي كان منه الحبس الذي كان عليه بجريرة حلفائه وهم غيره ، وأنه لا يرد إليهم وإن كان قد أسلم حتى يردوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلين اللذين أسروهما من أصحابه ، وكان ما وجب عليه من ذلك لما بينه وبين حلفائه على ما كانوا عليه من الحرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما كان مأخوذا بذلك ، وإن كان لم يوجبه على نفسه إنما أوجبته عليه الشريعة ، كان لو أوجب على نفسه مثل ذلك من تخليص من أسر من المسلمين [ ص: 309 ] عليه أوجب ، وفي الحكم له ألزم .
وإن كان ذلك كذلك كانت مثله الكفالات بالأنفس إذا أوجبها بعض الناس على نفسه تجب كذلك كما كان الكوفيون والمدنيون جميعا يذهبون إليه في ذلك ، وكما كان يذهب إليه فيه ، غير أنه ضعفها مرة ولم يبطلها ، فجئنا بما جئنا به مما ذكرنا لنعلم قوتها ، وأنه لا يجب ضعفها من جهة ، وكيف يضعف ما قد دل عليه ما قد ذكرنا . الشافعي
ومثل ذلك أيضا تولية رسول الله صلى الله عليه وسلم النقباء على الأنصار وهم الأمناء عليهم الذين يدفعون إليه ما يكون منهم ما يستحقون به الحمد عليه ، ومما يستحقون به الذم عليه ، وكانوا مأخوذين بذلك ، فهم كالكفلاء به ، وقد ذكر محمد بن إسحاق في مغازيه .
4465 - ما قد حدثنا فهد ، حدثنا يوسف بن بهلول ، حدثنا ، عن عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن إسحاق عبد الله بن أبي بكر للأنصار : إني أولي عليكم نقباء يكونون عليكم كنقباء بني إسرائيل ، كفلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال .
[ ص: 310 ] وفي ذلك ما قد حقق الكفالة بالأنفس ، لا سيما عند من يحتج بالمغازي ويجعلها حجة على مخالفه .
وقد وجدنا عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
يوجب ثبوتها .
ومن ذلك ما قد حدثنا ، حدثنا ابن أبي داود ، أخبرنا ابن أبي مريم ، حدثني ابن أبي الزناد ، عن أبي محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي ، عن أبيه بعثه مصدقا على عمر سعد هذيم ، فأتي حمزة بمال ليصدقه ، فإذا رجل يقول لامرأته : أدي صدقة مال مولاك ، وإذا المرأة تقول له : بل أنت فأد صدقة مال أبيك ، فسأل حمزة عن أمرهما وقولهما ، فأخبر أن ذلك الرجل زوج تلك المرأة ، وأنه وقع على جارية لها ، فولدت ولدا ، فأعتقته امرأته ، قالوا : فهذا المال لأبيه من جاريتها ، فقال حمزة : لأرجمنك بأحجارك ، فقيل له : أصلحك الله ، إن أمره قد رفع إلى ، فجلده عمر بن الخطاب عمر مائة ولم ير عليه الرجم ، فأخذ حمزة بالرجل كفيلا حتى قدم على عمر فسأله عما ذكر من جلد عمر إياه ولم ير عليه الرجم ، فصدقهم عمر بذلك ، وقال : إنما درأ عنه الرجم ، [ ص: 311 ] لأنه عذره بالجهالة . أن
[ ص: 312 ]
ومن ذلك ما قد حدثنا القاسم بن عبد الرحمن الجزري الميافارقيني ، حدثنا ، حدثنا أحمد بن سليمان أبو الحسين الرهاوي حدثنا يحيى بن آدم ، ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق حارثة بن مضرب قال : في المسجد ، فلما سلم قام رجل ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فوالله لقد بت هذه الليلة وما في نفسي على أحد من الناس حنة ، وإني كنت استطرقت رجلا من عبد الله بن مسعود بني حنيفة لفرسي ، فأمرني أن آتيه بغلس ، وإني أتيته ، فلما انتهيت إلى مسجد بني حنيفة مسجد عبد الله بن النواحة سمعت مؤذنهم وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن مسيلمة رسول الله ، فاتهمت سمعي ، وكففت الفرس حتى سمعت أهل المسجد اتفقوا على ذلك ، فما كذبه عبد الله ، وقال : من هاهنا ؟ فقام رجال ، فقال : علي بعبد الله بن النواحة وأصحابه . قال حارثة : فجيء بهم وأنا جالس ، فقال عبد الله لابن النواحة : ويلك ! أين ما كنت تقرأ من القرآن ؟ قال : كنت أتقيكم به ، قال له : تب ، فأبى ، فأمر به عبد الله قرظة بن كعب الأنصاري ، فأخرجه إلى السوق فجلد رأسه . قال حارثة : فسمعت عبد الله يقول : من سره أن ينظر إلى عبد الله بن النواحة قتيلا بالسوق فليخرج ، فلينظر إليه . قال حارثة : فكنت فيمن خرج ينظر إليه ، ثم إن عبد الله استشار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بقية [ ص: 313 ] النفر ، فقام عدي بن حاتم الطائي ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فثؤلول من الكفر أطلع رأسه ، فاحسمه ، فلا يكون بعده شيء ، وقام الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله ، فقالا : بل استتبهم ، وكفلهم عشائرهم ، فاستتابهم فتابوا ، وكفلهم عشائرهم ، ونفاهم إلى الشام . صليت الغداة مع
ففي هذين الحديثين استعمال عبد الله الكفالة بالأنفس بمشورة من أشار عليه بها ، وبحضور من حضرها ، فلم ينكر عليه ذلك ، ولم يخالفه فيه ، فدل ذلك على متابعتهم إياه عليه ، وما جاء هذا المجيء كان بالقوة أولى ، وبنفي الضعف عنه أحرى ، والله أعلم .