[ ص: 334 ] 762 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثبات الحجر على السفيه في ماله ، وفي نفي الحجر عنه .
4854 - حدثنا ، قال : أخبرنا يونس أن عبد الله بن وهب أخبره ، عن مالكا ، عن عبد الله بن دينار وحدثنا ابن عمر . ، قال : حدثنا المزني ، عن الشافعي ، عن مالك ، عن عبد الله بن دينار : ابن عمر أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا بايعت فقل لا خلابة . فكان الرجل إذا باع يقول : لا خلابة .
[ ص: 335 ]
4855 - وحدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، عن إسماعيل بن جعفر ، أنه سمع عبد الله بن دينار يقول ، ثم ذكر مثله . ابن عمر
4856 - وحدثنا ، قال : حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حجاج بن رشدين ، عن ، عن حيوة ، عن ابن عجلان ، عن نافع ابن عمر أن رجلا كان ثقيل اللسان ، كان إذا بايع الناس غبنوه في البيع ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا بايعت أحدا ، فقل هاء ولا خلابة .
قال : فكان في هذا إعلام ذلك الرجل أو إعلام غيره رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع ، فلم يحجر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 336 ] ولا قبض يده عن ماله من أجله . أبو جعفر
فقال قائل : في ذلك ما قد دل على نفي الحجر على البالغين غير المجانين ، وممن كان يذهب إلى ذلك ، وقد تقدمه فيه أبو حنيفة . محمد بن سيرين
كما حدثنا ، قال : حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن ابن عون : محمد . أنه كان لا يعد الحجر شيئا
وكما حدثنا ، قال : حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي سليم بن أخضر ، عن ، عن ابن عون : محمد . أنه كان لا يعرف الحجر ، ولا يرى شيئا
فكان من الحجة على من ذهب إلى هذا القول واحتجاجه له بما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا احتجاجه له به في هذا الباب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلق لذلك الرجل البيع إلا باشتراطه فيه ، أنه لا خلابة فيه ، وفي ذلك ما قد دل على أن البيع الذي أطلقه له ليس كبيع من سواه ممن لا يخدع في البيع ، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يبيع حاضر لباد ، وقال : " دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " .
[ ص: 337 ]
4857 - حدثناه ، قال : أخبرنا يونس ، عن سفيان ، عن أبي الزبير ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان هذا الذي روي في إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل البيع مع اشتراطه أن لا خلابة فيه ، ما قد دل أن بيعه بيع مردود إلى اعتبار من يتولى عليه إياه ، فإن كانت فيه خلابة أبطله ، وإن لم يكن فيه خلابة أمضاه ، وفي ذلك ما قد دل على وقوع اليد عليه لا على ارتفاعها عنه . جابر
[ ص: 338 ]
4858 - وقد حدثنا ، قال : حدثنا المزني ، عن الشافعي ، قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ابن عمر حبان بن منقذ كان شج في رأسه مأمومة ، فثقل لسانه ، فكان يخدع في البيع ، فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ابتاع من شيء فهو فيه بالخيار ثلاثا ، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل لا خلابة ، قال : فسمعته يقول : لا خذابة لا خذابة ابن عمر أن ، فكان في هذا الحديث ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لحبان - وهو هذا الرجل المذكور في هذه الآثار فيما يبتاعه - الخيار ثلاثة أيام ، ليعتبر بيعه ، فيمضي أو يرد على ما رويناه قبله في قصته في هذا الباب ، وذلك حجر عليه في ماله لا إطلاق له فيه .
4859 - وقد حدثنا ، قال : أخبرنا أحمد بن شعيب يوسف بن حماد المعني ، قال : حدثنا ، عن عبد الأعلى ، يعني : ابن عبد الأعلى ، عن سعيد [ ص: 339 ] عن قتادة : أنس أن رجلا كان في عقله ضعف ، وكان يبايع وأن أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا نبي الله احجر عليه ، فدعاه نبي الله صلى الله عليه وسلم فنهاه ، فقال : يا نبي الله ، إني لا أصبر عن البيع ، قال : فإذا بايعت فقل : لا خلابة .
قال : ففي هذا الحديث ، أن أهل حبان سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحجر عليه فلم ينكر ذلك عليهم من قولهم ، وأمره بمثل ما في حديث في قصته وفي ذلك ما قد دل على الحجر على مثله في ماله ، وأن يده لا تنطلق فيه إلا فيما يطلقها من يتولى عليه فيه . عبد الله بن عمر
ثم قد وجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلفائه الراشدين [ ص: 340 ] المهديين ، وممن سواهم منهم على إثبات الحجر ، فيمن يستحقه فمن ذلك .
ما قد حدثنا أحمد بن أبي عمران ، قال : أخبرنا ، قال : سمعت محمد بن سماعة يقول . أبا يوسف
وما قد حدثنا جعفر بن أحمد بن الوليد ، قال : أخبرنا ، قال : أخبرنا بشر بن الوليد الكندي ، ثم اجتمعا فقالا ، عن أبو يوسف ، عن هشام بن عروة أبيه عبد الله بن جعفر أتى الزبير ، فقال : إني ابتعت بيعا ، وإن عليا عليه السلام يريد أن يحجر علي ، فقال الزبير : فأنا شريكك في البيع ، فأتى علي عثمان - رضي الله عنه - فسأله أن يحجر على عبد الله بن جعفر ، فقال الزبير : أنا شريكه في هذا البيع ، فقال : كيف أحجر على رجل شريكه عثمان الزبير ؟ . أن
ففي هذا الحديث ، أن عليا عليه السلام حاول الحجر على عبد الله بن جعفر ، وأن الزبير لما وقف على ذلك سأل عبد الله بن جعفر أن يشركه في ذلك البيع الذي حاول علي الحجر عليه من أجله ليرتفع بذلك عنه ما خافه على نفسه من عثمان فيه ، ووقوف عثمان على ذلك [ ص: 341 ] ومحاجته عليا شركة الزبير عبد الله بن جعفر في ذلك ، وكان في ذلك ما قد دل أنه لولا شركة الزبير إياه فيه حجر عليه ، ورأى عبد الله بن جعفر ذلك لخوفه على نفسه من عثمان أن يحجر عليه من أجله ، وكان ذلك منهم جميعا بمحضر من حضرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سواهم ، فلم ينكروا ذلك عليهم ، ولم يخالفوهم فيه ، فدل ذلك على متابعتهم إياهم عليه .
حدثنا ، قال : أخبرني يونس ، عن أنس بن عياض ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه يزيد بن هرمز نجدة كتب إلى يسأله : متى ينقضي يتم اليتيم ؟ فكتب إليه ابن عباس : كتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم ؟ ولعمري ، إن الرجل تنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه ، ضعيف الإعطاء منها ، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس ، فقد انقطع عنه اليتم ابن عباس . أن
[ ص: 342 ] فهذا أيضا ، قد كان منه ما قد وافق من قد ذكرناه قبله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثبات الحجر . ابن عباس
وقد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير ، قال : سمعت أبيه النعمان بن راشد يحدث ، عن ، عن الزهري عروة بلغها أن عائشة ابن الزبير بلغه أنها تبيع بعض عقارها ، فقال : لتنتهين أو لأحجرن عليها ، فقالت : أوقاله ؟ ! لله - عز وجل - علي ألا أكلمه أبدا . أن
وحدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا ابن شابور ، عن الأوزاعي [ ص: 343 ] أنه حدثه ، قال : حدثني الزهري الطفيل بن الحارث ، وكان أخا من أمها ، وكان رجلا من عائشة أزد شنوءة ، ابن الزبير أن تبيع بعض رباعها عائشة ، ثم ذكر مثله . أنه بلغ
وحدثنا الحسن بن غليب ، قال : حدثنا ، قال : حدثني سعيد بن كثير بن عفير ، قال : حدثني الليث بن سعد عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، عن ، عن ابن شهاب عوف بن الحارث بن الطفيل ، وهو ابن أخي لأمها ، عائشة حدثته أن عائشة عبد الله بن الزبير ، ثم ذكر مثله . أن
وحدثنا فهد وهارون بن كامل قالا : حدثنا ، قال : حدثني عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، ثم ذكر بإسناده مثله .
[ ص: 344 ] ففي هذا الحديث ، عن ابن الزبير ما فيه عنه ، وفيه عن ما فيه عنها ، مما لا إنكار فيه منها للحجر ، ومن تركها أن تقول وهل يكون أحد محجورا عليه بفعله في ماله مثل الذي بلغ عائشة ابن الزبير أنها تفعله في مالها ، فكيف يجوز لأحد الخروج عن أقوال من ذكرنا إلى ما يخالفه ؟
فقال قائل : فقد وجدنا في نفي الحجر ما هو أقوى من هذا ، وهو قول الله - عز وجل - : يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى ، ثم قال بعد ذلك : فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل ، فذكر في أول القصة المداينة ممن قد ذكر في آخرها ، أنه قد يكون سفيها أو ضعيفا ، وفي ذلك ما قد دل على جواز بيعه في حال سفهه .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله جل وعز وعونه : أن السفه قد يكون في تضييع المال ، وقد يكون فيما سواه مما لا تضييع للمال معه ، كذلك هو في كلام العرب يقولون : سفه فلان في ماله ، سفه فلان في دينه ، ومنه قول الله - عز وجل : ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه .
قال : وسمعت أبو جعفر ولادا النحوي يقول : حدثني المصادري ، عن ، قال : سفه نفسه : أهلكها وأوبقها ، وقد يكون ذلك ممن يكون معه من الحزم في ماله ما ليس مع من لا يختلف في صلاحه في دينه . أبي عبيدة معمر بن المثنى
[ ص: 345 ] وقال الكسائي : السفيه الذي يعرف الحق ، وينحرف عنه عنادا ، وقرأ : أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ، قال : يقول الذين عرفوا الأمر وعندوا عنه ، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قد تقدمت روايتنا له فيما قد تقدم من كتابنا هذا في الكبر ، أنه من يدفع الحق ، وفي ذلك ما قد دل أنه أريد بذلك من معه معرفة والعنود عنها ، والتمسك بضدها ، ففي ذلك ما قد دل : أن السفه المذكور في الآية التي تلونا ليس على سفه الفساد في المال ، ولكنه على ما سواه من وجوه السفه .
وقد قال قائل : إن هذه الآية التي تأولنا أدل أنه في القرآن على استعمال الحجر - وهو - قال : لأن فيها الشافعي فليملل وليه بالعدل فكان من حجتنا عليه في دفع ما تأولها عليه في أول الآية من مداينة من قد وصف في آخرها بالسفه ، وفي ذلك ما يدفع ما قال .
فإن قال قائل : فمن وليه المراد في آخر هذه الآية ؟ كان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أنه ولي الدين الذي هو عليه ، وفي الآية ما قد دل على هذا ، وهي قوله - عز وجل : وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا ، فلو كان وليه هو الذي يتولى عليه كما ذكر هذا القائل ، لم يخاطب بهذا الخطاب ; لأنه لا يجر إلى نفسه ببخسه شيئا ، ولكنه حذر من ذلك خوفا عليه أن ينقص الذي له عليه الدين طائفة مما عليه منه .
وفيما ذكرنا دليل واضح على فساد ذلك التأويل ، غير أن مذهبا في الحجر استعماله والحكم به ، وحفظ المال على من يملكه إذا كان [ ص: 346 ] مخوفا عليه منه ، وقد دخل في بعض هذا ، فقال : إني أمنعه بعد بلوغه من ماله حتى يستكمل خمسا وعشرين سنة ، ولا أرد أفعاله فيه ، وهذا من القول الذي لا يشكل فساده على أحد ; لأنه إن كان يمنعه من ماله ليحفظه عليه من إتلافه فيما لا يجب إتلافه فيه ، فإن أفعاله التي فيها تلفه هي التي حفظ المال عليه من أجلها ، وإن كان لا يمنعه مع حفظه إياه عليه من إتلافه إياه على نفسه فلا معنى لحفظه إياه عليه ، ويقول مع هذا فيما فعله من يستحق الحجر عليه في ماله قبل أن يحجر عليه الحاكم ، ما قد اختلف فيه أبو حنيفة أبو يوسف ومحمد ، فأجاز ذلك منه ، وأبطله أبو يوسف محمد بن الحسن ، فراعى أحواله لا حكم الحاكم عليه ، فنذهب إلى : أن قول محمد في ذلك أولى القولين عندنا ; لأن الحجر إنما يكون لمعنى من أجله يحجر الحاكم على من فيه ذلك المعنى ، فيكون بحجره عليه مخففا له بكونه فيه قبل حجره عليه ، وهو مذهب في ذلك والله - عز وجل - نسأله التوفيق . مالك بن أنس