[ ص: 242 ] 512 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما استدل به محمد بن الحسن مما كان رحمه الله يقوله في إباحة الربا بين المسلمين وبين المشركين في دار الحرب أبو حنيفة
3213 - حدثنا ، قال : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، عن ابن المبارك ، عن محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ثابت ، أنس بن مالك الحجاج بن علاط السلمي ، قال : يا رسول الله ، إن لي بمكة أهلا ومالا ، وقد أردت إتيانهم ، فإن أذنت لي أن أقول فيك فعلت ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء ، فلما قدم مكة قال لامرأته : إن أصحاب محمد قد استبيحوا ، وإنما جئت لآخذ مالي لأشتري من غنائمهم ، وفشا ذلك في أهل مكة ، فبلغ ذلك العباس - يعني ابن عبد المطلب - فعقر ، واختفى من كان فيها من [ ص: 243 ] المسلمين ، وأظهر المشركون الفرح بذلك ، فكان العباس لا يمر بمجلس من مجالسهم إلا قالوا : يا أبا الفضل ، لا يسوؤك الله ، قال : فبعث غلاما له إلى الحجاج بن علاط ، فقال : ويلك ما الذي جئت به ، فالذي وعد الله ورسوله خير مما جئت به ، فقال الحجاج لغلامه : اقرأ على أبي الفضل السلام ، وقل له : ليخل لي في بعض بيوته ، فإن الخبر على ما يسره ، فلما أتاه الغلام ، فأخبره ، فقام إليه فقبل ما بين عينيه واعتنقه ، ثم أتاه الحجاج بن علاط ، فخلا به في بعض بيوته ، وقال له : إن الله عز وجل قد فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، وجرت فيها سهام المسلمين ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه ، وإني استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول فيه ما شئت ، فإن لي مالا بمكة آخذه ، فأذن لي أن أقول فيه ما شئت ، فاكتم علي ثلاثا ، ثم قل ما بدا لك .
ثم أتى الحجاج أهله فأخذ ماله ، ثم استمر إلى المدينة ، قال : ثم إن العباس أتى منزل الحجاج إلى امرأته ، فكان العباس يمر بمجالس قريش فيقولون له : يا أبا الفضل ، لا يسوؤك الله ، فيقول : لا يسوؤني الله ، قد فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، وجرت فيها سهام المسلمين ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه ، أخبرني الحجاج بن علاط بذلك ، وسألني أن أكتم عليه ثلاثا حتى يأخذ ما له عند أهله .
قال : ثم أتى امرأته ، فقال : إن كان لك بزوجك حاجة فالحقي به وأخبرها بالذي أخبره الحجاج بن علاط بفتح خيبر ، فقالت امرأته : أظنك والله صادقا .
قال : فرجع ما كان بالمسلمين من كآبة على المشركين وظهر من [ ص: 244 ] كان استخفى من المسلمين من المواضع التي كانوا فيها أن .
فتأملنا هذا الحديث ، فوجدنا ما قد دلنا على أن إسلام العباس كان قبل ذلك ، وهو إقراره كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة من الله عز وجل وتصديقه ما وعده ، وقد كان الربا حينئذ في دار الإسلام حراما على المسلمين .
3214 - كما حدثنا ، قال : حدثنا يونس ، قال : أخبرني عبد الله بن وهب قرة بن عبد الرحمن ، ، أن وعمرو بن الحارث عامر بن يحيى المعافري أخبرهما عن أنه قال : حنش
في غزوة ، فطارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق وجوهر ، فأردت أن أشتريها ، فسألت فضالة بن عبيد فضالة ، فقال : انزع ذهبها فاجعله في الكفة ، واجعل ذهبا في الكفة ، ثم لا تأخذن إلا مثلا بمثل ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كان يؤمن بالله [ ص: 245 ] واليوم الآخر فلا يأخذ إلا مثلا بمثل كنا مع .
3215 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا يونس ، قال : أخبرني ابن وهب أبو هانئ الخولاني ، أنه سمع ، يقول : سمعت علي بن رباح اللخمي يقول : فضالة بن عبيد الأنصاري أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها ذهب وخرز ، وهي من المغانم تباع ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة ، فنزع وحده ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الذهب بالذهب وزنا بوزن .
[ ص: 246 ]
3216 - وكما حدثنا بكر بن إدريس ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا المقرئ ، عن حيوة أبي هانئ ، ثم ذكر بإسناده مثله .
قال : فكان في هذه الآثار أن الربا قد كان يومئذ في دار الإسلام حراما بين أهل الإسلام . أبو جعفر
ثم وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان منه في خطبته في حجة الوداع .
3217 - ما قد حدثنا ، قال : حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه رضي الله عنهما ، جابر بن عبد الله ، فإنه موضوع كله العباس بن عبد المطلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع : وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربا .
[ ص: 247 ]
3218 - وما قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، عن هناد بن السري ، عن أبي الأحوص ابن غرقدة - يعني شبيبا - ، عن سليمان بن عمرو ، عن أبيه عمرو بن الأحوص ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية يوضع ، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون .
3219 - وما قد حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا يونس بن محمد حسين بن عازب بن شبيب بن غرقدة أبو غرقدة ، عن شبيب بن غرقدة ، عن سليمان بن عمرو ، عن عمرو بن الأحوص ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .
[ ص: 248 ] فكان في ذلك ما قد دل على أن الربا قد كان بمكة قائما لما كانت دار حرب حتى فتحت ؛ لأن ذهاب الجاهلية إنما كان بفتحها ، وكان في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول ربا أضع ربانا ، ربا ، فدل ذلك أن ربا العباس بن عبد المطلب العباس قد كان قائما حتى وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لا يضع إلا ما قد كان قائما ، لا ما قد سقط قبل وضعه إياه .
وكان فتح خيبر في سنة سبع من الهجرة ، وكان فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة ، وكانت حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة .
ففي ذلك ما قد دل أنه قد كان للعباس ربا إلى أن كان فتح مكة ، وقد كان مسلما قبل ذلك ، وفي ذلك ما قد دل على أن الربا قد كان حلالا بين المسلمين وبين المشركين بمكة لما كانت دار حرب ، وهو حينئذ حرام بين المسلمين في دار الإسلام ، وفي ذلك ما قد دل على إباحة الربا بين المسلمين وبين أهل الحرب في دار الحرب كما يقوله أبو حنيفة والثوري .
حدثنا محمد بن العباس ، قال : حدثنا ، عن علي بن معبد محمد ، عن ، عن أبي يوسف بذلك ، قال أبي حنيفة محمد : وهو قولنا .
وكما حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا نعيم ، عن ابن المبارك بذلك . سفيان
[ ص: 249 ] قال : وقد قاله قبلهم أبو جعفر . إبراهيم النخعي
كما حدثنا محمد بن العباس ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا علي محمد بن أبان بن صالح ، عن ، عن حماد ، قال : إبراهيم . لا بأس بالدينار بالدينارين في دار الحرب بين المسلمين ، وبين أهل الحرب
ومما يدل على أن حكم الربا بين المسلمين وبين أهل الحرب في دار الحرب بخلاف حكم الربا بينهم في دار الإسلام أنه لا يخلو ربا العباس الذي أدركه وضع النبي صلى الله عليه وسلم ربا الجاهلية من أحد وجهين :
أن يكون أصله كان قبل تحريم الربا ، ثم طرأ عليه تحريم الربا .
أو كان في حال تحريم الربا ، أعني بذلك التحريم في هذين الوجهين في دار الهجرة .
فإن كان قبل تحريم الربا ثم طرأ عليه تحريم الربا في دار الهجرة وفي دار الحرب ، فإنه يجب أن يبطل في أي الأماكن كان من دار الحرب ومن دار الإسلام .
[ ص: 250 ] وإن كان بعد تحريم الربا فهو أبطل ، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته بما يدل أنه كان قائما حتى وضعه ، دل ذلك أنه كان قبل وضعه إياه بمكان الربا فيه ، خلاف الربا في دار الهجرة ؛ لأنه لو كان في دار الهجرة ما كان قائما في حال من الأحوال بعد تحريم الربا ؛ لأنه إن كان أصله في حال تحريمه كان غير ثابت ، وإن كان قبل تحريمه ثم طرأ عليه تحريمه وضعه .
فإن شبه على أحد بما كان في أمر العباس من أسر المسلمين إياه ، ومن أخذ الفداء منه ، تحقق بذلك أنه لم يكن بمكة مسلما .
قال : ولو كان مسلما قبل فتحها لنفى ذلك عنه إسلامه .
فإنه يقال له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : إنه لم يكن بمكة مسلما حين جرى عليه ما جرى من الأسر ، لأنه لما فدي في غزوة بدر رجع هو ومن سواه من الأسرى إلى مكة على دينهم الذي أسروا عليه ، وكانت بدر في سنة اثنتين من الهجرة .
وقد حكى محمد بن إسحاق في " مغازيه " أن العباس قد كان اعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمره أن يفدي نفسه بأنه كان مسلما ، وأنه أخرج إلى قتاله كرها ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : أما ظاهر أمرك فقد كان علينا ، فافد نفسك .
3220 - حدثنا بذلك فهد بن سليمان ، قال : حدثنا يوسف بن بهلول ، قال : حدثنا ، عن عبد الله بن إدريس محمد بن إسحاق ، ولم [ ص: 251 ] يتجاوزه به ، وبقي العباس بعد ذلك بمكة .
[ ص: 252 ] فإن يكن ما ذكره كما ذكره قد تقدم إسلامه بدرا ، وإن يكن بخلاف ذلك ، كان ما ذكره ابن إسحاق في حديث أنس بن مالك الحجاج بن علاط يوجب له الإسلام ، وذلك عند فتح خيبر ، وكلا القولين يوجب إقامته بمكة مسلما ، وهي دار حرب ، وإقامته بها فيما ذكره محمد بن إسحاق أوسع مدة من إقامته بها كذلك في حديث أنس الذي ذكرناه .
وفي ذلك ما يوجب أنه كان بمكة مسلما ، وله بها ربا قائم ، والربا محرم بين المسلمين في دار الهجرة ، والله عز وجل نسأله التوفيق .