[ ص: 277 ] 50 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام في رفع العلم عن الناس وقبضه منهم
301 - حدثنا حدثنا الربيع ، ، سمعت ابن وهب يقول : حدثني الليث ، عن إبراهيم بن أبي عبلة الوليد بن عبد الرحمن الجرشي ، عن أنه قال : حدثني جبير بن نفير : { عوف بن مالك الأشجعي لبيد بن زياد يا رسول الله ، يرفع العلم وقد أثبت ووعته القلوب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة ، ثم ذكر ضلالة اليهود والنصارى على ما في أيديهم من كتاب الله تعالى ، قال : فلقيت فحدثته بحديث شداد بن أوس عوف فقال : صدق عوف ، ألا أخبرك بأول ذلك يرفع ؟ الخشوع حتى لا ترى خاشعا أن رسول الله عليه السلام نظر إلى السماء يوما فقال : هذا أوان يرفع العلم ، فقال له رجل من الأنصار : يقال له : } .
[ ص: 278 ]
302 - حدثنا حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، خطاب بن عثمان الفوزي ، حدثنا ، حدثني محمد بن حمير ، عن ابن أبي عبلة الوليد الجرشي ، حدثنا ، عن جبير ، ثم ذكر مثله عوف لبيد بن زياد : زياد بن لبيد ، وإلا أنه قال : { يرفع يا رسول الله ، وفينا كتاب الله ، وقد علمناه أبناءنا ونساءنا ؟ إلا أنه قال مكان } .
303 - حدثنا ، الربيع الجيزي قالا : حدثنا والحسين بن نصر البغدادي ، أخبرني سعيد بن أبي مريم ، حدثنا يحيى بن أيوب ، أن أبو إسماعيل إبراهيم بن أبي عبلة الوليد بن عبد الرحمن حدثه عن ، { عن جبير قال : عوف
قال : فلقيت جبير ، فذكرت له حديث شداد بن أوس عوف فقال : صدق عوف ، وأول ما يرفع الخشوع ، حتى لا ترى خاشعا بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هذا أوان يرفع العلم ، فقلنا : يا رسول الله ، يرفع العلم وعندنا كتاب الله ، قد قرأناه ، وعلمناه صبياننا ونساءنا ؟ فذكر ضلالة أهل الكتابين اليهود والنصارى ، ثم قال : ذهابه بذهاب أوعيته . } .
[ ص: 279 ]
304 - وحدثنا فهد ، حدثنا ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن { عن أبيه أنه قال : أبي الدرداء زياد بن لبيد الأنصاري : يا رسول الله ، وكيف يختلس منا ، وقد قرأنا القرآن ، فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا ، فقال : ثكلتك أمك يا زياد ، وإن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة ، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى ، فماذا يغني عنهم } .
قال : فلقيت جبير فقلت له : ألا تسمع ما يقول أخوك عبادة بن الصامت ، فأخبرته بالذي قال : قال : فقال : صدق أبو الدرداء ، إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس الخشوع ، يوشك أن تدخل مسجد الجماعة ، فلا ترى فيه خاشعا أبو الدرداء كنا مع رسول الله عليه السلام فشخص ببصره إلى السماء فقال : هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء . فقال .
305 - حدثنا حدثنا الربيع المرادي ، ، حدثنا أسد بن موسى ، عن وكيع بن الجراح ، عن الأعمش ، { عن سالم بن أبي الجعد زياد بن لبيد قال : ابن أم لبيد ، إن كنت أراك من أفقه رجل بالمدينة ، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل لا يفقهون مما فيهما شيئا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وذاك عند أوان ذهاب العلم ، قلنا : يا رسول الله ، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ونساءنا ، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم [ ص: 280 ] القيامة ؟ قال : ثكلتك أمك ؟ }
قال : فأنكر منكر هذه الأحاديث ، وقال : كيف يكون العلم يرفع في زمن النبي عليه السلام ، وأيامه هي الأيام السعيدة التي لا أمثال لها ، والوحي إنما كان ينزل عليه فيها ، فمحال أن يكون العلم الذي ينزل فيها ، ويبقى في أيدي الناس ليبلغه بعضهم بعضا إلى يوم القيامة ، كما أمروا به فيه يكون ذلك مرفوعا في تلك الأيام ؛ لأن ذلك لو كان كذلك انقطع التبليغ ، وبقي الناس في أيام رسول الله بلا علم ، وكانوا بعده في خروجهم عنه أغلط وهذا يستحيل ؛ لأن العلم إنما علم ليأخذه خلف عن سلف إلى يوم القيامة . أبو جعفر
فكان جوابنا له في ذلك أن هذا الحديث من أحسن الأحاديث وأصحها ، وأن الذي فيه من نظر النبي عليه السلام إلى السماء ، ومن قوله عند ذلك هذا أوان يرفع فيه العلم ، إنما هو إشارة منه إلى وقت يرفع فيه العلم ، قد يجوز أن يكون هو وقت يكون بعده ؛ لأن هذا إنما هو كلمة يشار بها إلى الأشياء من ذلك قوله تعالى : هذا يومكم الذي كنتم توعدون ليس هم فيه يوم أنزل ذلك على رسول الله عليه السلام ، ومنه قوله تعالى : هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ ليس على شيء مرئي يوم قيل لهم ذلك في أمثال لهذا كثيرة في القرآن .
[ ص: 281 ] فمثل ذلك ما في حديث عوف قد يحتمل أن يكون رسول الله عليه السلام لما نظر إلى السماء أري فيها الزمان الذي يرفع فيه العلم فقال ما قال من أجل ذلك .
ومما يدل على ما ذكرنا من هذا احتجاجه عليه السلام بضلالة أهل الكتابين اليهود والنصارى ، وعند اليهود منهم التوراة ، وعند النصارى منهم الإنجيل ، ولم يمنعاهم من الضلالة ، وإنما كان ذلك بعد ذهاب أنبيائهم صلوات الله عليهم ، لا في أيامهم .
فكذلك ما تواعد رسول الله عليه السلام به أمته في حديث عوف هذا يحتمل أن يكون بعد أيامه ، وبعد ذهاب من تبعه وخلفه بالرشد والهداية من أصحابه رضوان الله عليهم ، ومن سائر أمته سواهم .
وفي حديث عوف الذي ذكرنا قول جبير : فلقيت شداد بن أوس ، فذكرت ذلك له ، فقال : صدق عوف ، وأول ما يرفع من ذلك الخشوع ، حتى لا ترى خاشعا .
والخشوع الذي أراد شداد في هذا الحديث والله أعلم ، هو الإخبات والتواضع والتذلل لله عز وجل .
وكذلك حدثنا الوليد بن محمد التميمي النحوي ، أبو القاسم المعروف بولاد ، حدثنا أبو جعفر المصادري ، عن أبي عبيدة معمر بن المثنى وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين قال : الخاشعون المخبتون المتواضعون . في قول الله تعالى :
قال : يعني لله تعالى حتى يرى ذلك فيهم ، ويكون [ ص: 282 ] علامة لهم كما قال تعالى في وصفه أصحاب نبيه : أبو جعفر والذين معه أشداء على الكفار إلى قوله : سيماهم في وجوههم من أثر السجود وأثر السجود فيما قد روي عن المتقدمين .
ما قد حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن أبو عامر العقدي ، عن سفيان حميد الأعرج ، عن مجاهد سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال : الخشوع والتواضع .
وبه عن ، عن سفيان ، عن منصور : مجاهد سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال : الخشوع .
وما قد حدثنا ، حدثنا ابن مرزوق ، عن حبان بن هلال ، عن أبان بن يزيد ، عن مالك بن دينار قال : مجاهد سيماهم في وجوههم قال : أثر التراب .
وما قد حدثنا ، حدثنا ابن مرزوق هارون بن إسماعيل الخزاز ، عن ابن المبارك ، عن قال : مالك بن دينار وسئل عكرمة سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال : أثر التراب . سمعت
قال : وكل هذا صفات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف نظن أن هذه الصفات ترفع عنهم ، وكان فيما ذكرنا [ ص: 283 ] مما يقوي التأويل الذي تأولنا عليه ما رواه أبو جعفر عوف عن رسول الله عليه السلام مما حملنا عليه ما قد روي عن شداد فيه من الدليل على رفع العلم في الأوان الذي يرفع فيه ، ونعوذ بالله منه ؛ لأنه هو الزمان الذي لا خشوع فيه مع الناس ، وإذا لم يكن معهم الخشوع كانت معهم القسوة والاستكبار ، ونعوذ بالله من ذلك .
وفي حديث الذي يعود إلى يحيى بن أيوب عوف وشداد ، من قول رسول الله عليه السلام في ذهاب العلم أنه ذهاب أوعيته ، ومثل ذلك ما قد روي عن رسول الله عليه السلام :
306 - كما قد حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، حدثنا ، عن عبد الله بن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن النبي عليه السلام قال : { عبد الله بن عمرو إن الله لا يقبض العلم بأن ينتزعه انتزاعا ، ولكن يقبضه بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا ، سئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا } .
307 - وكما حدثنا ، حدثنا علي بن معبد ، حدثنا أبو يحيى الأسدي محمد بن عبد الله بن كناسة ، ثم ذكر بإسناده مثله . هشام بن عروة
[ ص: 284 ]
308 - وكما قد حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، حدثنا ، عن شجاع بن الوليد ، ثم ذكر بإسناده . هشام بن عروة
309 - وكما حدثنا فهد ، حدثنا ، حدثنا أبو غسان ، أخبرني زهير ، ثم ذكر بإسناده نحوه . هشام بن عروة
310 - وكما حدثنا ، يونس وعبد الغني بن أبي عقيل جميعا ، قالا : حدثنا ، حدثنا ابن وهب ، عن مالك ، ثم ذكر بإسناده مثله . هشام بن عروة
311 - وحدثنا فهد ، حدثنا ، حدثنا سعيد بن كثير بن عفير ، عن ابن وهب ، عن يونس قال : وأخبرني ابن شهاب ، عن عروة ، عن رسول الله عليه السلام مثله . عائشة
[ ص: 285 ] قال : هكذا قال أبو جعفر في هذا الحديث عن يونس بن يزيد مكان عائشة ابن عمرو ، فيما رويناه قبله ، وقد خالفه في ذلك معمر عن فقال فيه : عن الزهري ابن عمرو .
312 - كما حدثنا عبيد بن رجال ، حدثنا ، حدثنا مؤمل بن يهاب ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن رسول الله عليه السلام فذكر هذا الحديث . عبد الله بن عمرو
ولما وقع في هذا الحديث هذا الاختلاف في إسناده بحثنا عن ذلك لنقف على الصحيح منه .
313 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي طلق بن السمح اللخمي ، حدثنا ، حدثنا أبو شريح عبد الرحمن بن شريح ، عن أبو الأسود ، عن عروة عائشة حاج في عامي هذا ، وأنه قد حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة ، فلقي عبد الله بن عمرو بن العاص عروة عبد الله بن [ ص: 286 ] عمرو فأخبره أنها قالت له : يا ابن أخي ، إني قد أخبرت أن فقال : سمعت رسول الله عليه السلام يقول ، ثم ذكر هذا الحديث .
فقوي في قلوبنا أن يكون هذا الحديث يرجع إلى ، لا إلى عبد الله بن عمرو ، حتى وقفنا على ما هو أولى من ذلك . عائشة
314 - وهو ما قد حدثنا ، أخبرني أحمد بن شعيب هارون بن سعيد الأيلي ، حدثني خالد بن نزار الأيلي ، حدثني قاسم بن مبرور ، عن ، عن يونس ، أخبرني ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، وعن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر هذا الحديث . عائشة
[ ص: 287 ] فوقفنا بذلك على أن الحديث كان عند عروة عن ، وعن عائشة ابن عمرو جميعا ، وقد روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد الأنصاري عروة ، فرده إلى ابن عمرو لا إلى . عائشة
315 - كما حدثنا المطلب بن شعيب بن حبان الأزدي ، وفهد قالا : حدثنا ، حدثني عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، عن يحيى بن سعيد ، عن عروة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذا الحديث . ابن عمرو
وقد روي في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا عن غير ، وغير عائشة ابن عمرو :
316 - ما قد حدثنا ، حدثنا ابن معبد ، أخبرنا عبيد الله بن موسى ، عن الأعمش قال : كنت مع شقيق ، عبد الله في المسجد فقالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وأبي موسى إن بين يدي الساعة أياما ينزل فيها الجهل ، ويرفع فيها العلم ، ويكثر فيها الهرج } ؛ والهرج القتل .
317 - وما قد حدثنا فهد ، حدثنا ، حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة عبيدة ، عن قال : أبي وائل ، وعبد الله بن قيس في ناحية من المسجد الأيمن ، [ ص: 288 ] فقال ابن مسعود : حدثنا يا ابن مسعود أبا موسى ، حدثنا عن الأيام التي سمعت من رسول الله عليه السلام تكون بين يدي الساعة . فقال : سمعت رسول الله عليه السلام يقول : { يأتي عليكم أيام يقبض فيهن العلم ، وينزل فيهن الجهل ، ويكثر فيهن الهرج ، فقال أبو موسى : وما الهرج ؟ قال : هو القتل بالحبشية } ابن مسعود جلس .
318 - وما قد حدثنا فهد ، حدثنا ، حدثنا أبو نعيم جعفر بن برقان ، عن ، عن يزيد يعني : ابن الأصم قال : قال رسول الله عليه السلام : أبي هريرة عمر لما سمع يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إن قبض العلم ليس بشيء ينتزع من صدور الرجال ، ولكنه فناء العلماء أبا هريرة تظهر الفتن ، ويكثر الهرج ، قلنا : وما الهرج ؟ قال : القتل ، ويقبض العلم . فقال .
319 - وما قد حدثنا ، حدثنا أبو أمية ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان يعني النحوي ، عن عاصم زياد بن قيس ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة ويل للعرب من شر قد اقترب ، يقبض العلم ، ويكثر الهرج ، قلت : يا رسول [ ص: 289 ] الله ، وما الهرج ؟ قال : القتل } .
320 - وما قد حدثنا ، حدثني يونس ، حدثني ابن وهب ، عن يحيى بن أيوب زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ ، عن أبيه : أن رسول الله عليه السلام قال : { لا تزال الأمة على شريعة ما لم يظهر منهم ثلاث ، يقبض منهم العلم ، ويكثر فيهم ولد الحنث ، ويظهر فيهم الصقارون . قالوا : وما الصقارون يا رسول الله ؟ قال : نشء يكون في آخر الزمان ، تحيتهم بينهم إذا التقوا التلاعن } .
ففيما روينا عن رسول الله عليه السلام من هذه الآثار ، ما قد دل على [ ص: 290 ] أن أوان رفع العلم هو على زمان لم يكن حين قال رسول الله عليه السلام فيه ما قال ، وإنما هو على زمان يكون بين يدي الساعة ، فقد اتفقت آثار رسول الله عليه السلام كلها التي روينا في هذا الباب ، ويصدق بعضها بعضا ، وبالله التوفيق .