[ ص: 297 ] 903 - باب بيان مشكل قول الله عز وجل : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ، ومما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه . قال : قال الله عز وجل : أبو جعفر ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون فتأملنا الذكر المراد به في هذه الآية ، فوجدنا قد قال في ذلك غير واحد من التابعين أقوالا مختلفة ، فمنها ما روي عن في ذلك . سعيد بن جبير
كما حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث النخعي ، عن أبي ، قال : الأعمش عن هذه الآية : سعيد بن جبير ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر قال : التوراة والإنجيل والفرقان من بعد الذكر الذي في السماء : أن الأرض أرض الجنة يرثها عبادي الصالحون . سألت
[ ص: 298 ]
وكما حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، أنبأنا ، حدثنا شعبة ، عن أبو معاوية ، عن الأعمش : سعيد بن جبير ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر قال : التوراة والإنجيل والفرقان من بعد الذكر ، الأصل الذي نسخ منه هذه الكتب : أن الأرض أرض الجنة يرثها عبادي الصالحون .
فكان في هذا الحديث : أن الذكر المراد في هذه الآية هو الذكر الذي في السماء ، وأن الزبور المذكور فيها هي : التوراة والإنجيل والفرقان .
وكما حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا ، حدثنا مسدد ، حدثنا أبو الأحوص ، عن منصور : سعيد بن جبير ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر قال : الزبور والفرقان والذكر : التوراة ، والأرض : أرض الجنة . فهذا الذي وجدنا في تأويل هذه الآية عن . سعيد بن جبير
ومنها ما روي عن كما حدثنا الشعبي أحمد بن داود ، حدثنا ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب - يعني الثقفي - - ، عن داود - يعني ابن أبي هند : عامر ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر قال : زبور داود من بعد الذكر ، [ ص: 299 ] قال : ذكر موسى : التوراة ، فهذا يخالف ما قد رويناه في تأويلها .
كما حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا ، حدثنا الفريابي ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح : مجاهد ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر قال : الزبور : الكتاب عند الله ، أن الأرض " : يعني أرض الجنة يرثها عبادي الصالحون " . فلما وقع في هذا من الاختلاف ما وقع فيه مما ذكرنا طلبنا المعنى الذي فيه مما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
5629 - فوجدنا محمد بن سليمان بن هشام قد حدثنا ، قال : حدثنا ، عن أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن جامع بن شداد ، عن صفوان بن محرز ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمران بن الحصين يا بني تميم ، [ ص: 300 ] فقالوا : قد بشرتنا فأعطنا . قال : اقبلوا البشرى يا أهل اليمن . قال : قلنا : قد قبلنا ، فأخبرنا عن أول هذا الأمر ، كيف كان ؟ قال : كان الله قبل كل شيء ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في اللوح ذكر كل شيء ، وأتاني آت ، فقال لي : يا عمران ، انحلت ناقتك من عقالها ، فخرجت فإذا السراب بيني وبينها ، فخرجت في إثرها ، فلا أدري ما كان بعدي اقبلوا البشرى .
فكان في هذا الحديث : أن الله تعالى كتب في اللوح ذكر كل شيء .
5630 - ووجدنا جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي قد حدثنا ، [ ص: 301 ] قال : حدثنا ، حدثنا أبو مروان عبد الملك بن حبيب ، عن أبو إسحاق الفزاري ، عن الأعمش ، عن جامع بن شداد ، عن صفوان بن محرز ، قال : عمران بن الحصين أهل اليمن ، فقالوا : أتيناك يا رسول الله لنتفقه في الدين ، ونسألك عن أول هذا الأمر ، كيف كان ؟ فقال : كان الله ولم يكن شيء غيره ، وكان عرشه على الماء ، ثم كتب في الذكر كل شيء ، ثم خلق السماوات والأرض كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه نفر من .
فكان ما في هذا الحديث مثل الذي في الحديث الأول وزيادة عليه وهو قوله : ثم خلق السماوات والأرض .
5631 - ووجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا أبو داود صاحب الطيالسة ، عن المسعودي ، عن جامع بن شداد ، هكذا وجدته في كتابي عن بريدة بن الحصيب بكار .
5632 - وحدثناه ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عثمان بن [ ص: 302 ] عمر بن فارس ، عن المسعودي ، عن جامع بن شداد ، عن صفوان بن محرز : ابن حصيب أن قوما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يبشرهم ، ويقولون : أعطنا ، فخرجوا من عنده ، ودخل عليه قوم آخرون ، فقالوا : أتيناك نتفقه في الدين ، ونسأل عن بدو هذا الأمر ، قال : فاقبلوا البشرى إذ لم يقبلها أولئك ، قال : كان الله سبحانه لا شيء غيره ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر كل شيء .
فاختلف في الذي رجع إليه هذا الحديث من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر الأعمش : أنه الأعمش ، وذكر المسعودي : أنه عمران بن الحصين بريدة بن الحصيب ، وكان الصحيح عندنا ما قاله فيه ، ودل على ذلك : أن الأعمش قد رواه عن الثوري جامع بن شداد ، [ ص: 303 ] فوافق فيه ، وخالف الأعمش المسعودي ، وإن كان قد قصر عن بعض متنه مما في روايتهما .
5633 - كما حدثنا ، حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، عن سفيان الثوري ، عن جامع بن شداد ، عن صفوان بن محرز : عمران بن حصين بني تميم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أبشروا يا بني تميم . فقالوا : بشرتنا فأعطنا ، فتغير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتاه وفد أهل اليمن ، فقال : أبشروا يا أهل اليمن اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم ، فقالوا : قبلنا يا رسول الله ، ثم حدث ، فقال لي رجل : قد ذهب بعيرك ، فليته كان ذهب ولم أقم أن وفد .
فكان في هذا الحديث الذي رواه صفوان عمن رواه عنه ، عن عمران ممن يريد كتاب الله في الذكر كل شيء قبل خلقه السماوات والأرض ، فكان معقولا بما في هذا الحديث : أن الذكر المراد في قوله تعالى : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر : أن [ ص: 304 ] ذلك الذكر هو المكتوب قبل خلق السماوات والأرض ، وأن الأشياء المذكورة بعده هي ما سواه من التوراة والإنجيل والقرآن .
وأما اللغويون : فكانوا يذهبون إلى أن الذكر المراد في هذه الآية هو الفرقان ، ويحتجون في ذلك بقوله : ص والقرآن ذي الذكر ، وبقوله عز وجل : فاسألوا أهل الذكر ، وبقوله تعالى : إنا نحن نـزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، وبقوله تعالى : إن هو إلا ذكر وقرآن مبين .
فكان في هذه الآيات ما قد دل : أن الذكر المذكور فيها هو القرآن ، وكانوا يقولون في ذلك : إنهم وجدوا حروف الخفض يعاقب بعضها بعضا ، فيخاطب فيها ببعد لما يراد به قبل ، وبقبل مما يراد به بعد ، وكان ذلك موجودا في كلام العرب .
وكان الذي دل عليه ما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرنا أولى بالتأويل لهذه الآية مما قالوا ، إذ كان ما قالوا لم تدع إليه ضرورة توجب حمل الأمر على ما حملوه عليه ، وبالله التوفيق .