[ ص: 423 ] 540 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الواجب في إتلاف الأشياء التي ليست موزونات ولا مكيلات ما الواجب على متلفها مكانها
3354 - حدثنا ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي المتوكل أم سلمة ملتفة بكساء ومعها فهر ، ففلقت الصحفة ، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقي الصحفة وقال : كلوا ؛ غارت أمكم - مرتين ، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى عائشة رضي الله عنها ، وأعطى صحفة أم سلمة أم سلمة لعائشة أنها جاءت بطعام في صحفة لها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فجاءت .
[ ص: 424 ]
3355 - وحدثنا ، بكار بن قتيبة وعلي بن شيبة ، قالا : حدثنا ، قال : حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، عن حميد الطويل ، قال : أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بقصعة فيها طعام ، فضربت يد الخادم فسقطت القصعة فانفلقت ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فضم الكسرتين وجمع فيها الطعام ، ويقول : غارت أمكم ، غارت أمكم ، وقال للقوم : كلوا ، وحبس الرسول حتى جاءت الأخرى بقصعتها ، فدفع القصعة الصحيحة إلى رسول التي كسرت قصعتها ، وترك المنكسرة للتي كسرت .
[ ص: 425 ]
3356 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، قال : أخبرنا ، عن شريك بن عبد الله قيس بن وهب ، عن رجل من بني سواءة ، قال : : حدثينا عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : أما تقرؤون القرآن ؟ قلنا : على ذلك حدثينا عن خلقه ، فقالت : كان عنده أصحابه ، فصنعت له لعائشة طعاما ، وصنعت له طعاما ، فسبقتني إليه حفصة ، فأرسلت مع جاريتها بقصعة ، فقلت لجاريتي : إن أدركتيها قبل أن تهوي بها فارمي بها ، فأدركتها وقد أهوت بها ، فرمت بها ، فوقعت على النطع ، فانكسرت القصعة ، وتبدد الطعام ، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام فأكلوه ، ثم وضعت جاريتي قصعة الطعام ، فقال لجارية حفصة : خذي هذا الطعام ، فكلوا واقبضوا الجفنة مكان ظرفكم ، قالت : ولم أر في وجهه غضبا ، ولم يعاتبني صلى الله عليه وسلم حفصة قلنا .
[ ص: 426 ] فقال قائل : فمن أين جاز لكم ترك ما في هذه الآثار التي رويتموها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الوجوه المقبولة فلم تقولوا بها ، وخالفتموها إلى أضدادها ؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه لو تدبر هذه الآثار ، لما وجدنا لها مخالفين ، ولا عنها راغبين ، وذلك أن المرأتين اللتين كان من إحداهما في صحفة الأخرى ما كان ، كانتا زوجتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كل واحدة منهما في بيت من بيوته ، وهما في عوله ، فكانت الصحفتان المذكورتان في هذه الآثار جميعا للنبي صلى الله عليه وسلم فحول الصحفة الصحيحة التي كانت من المرأة المتلفة لصحفة صاحبتها إلى بيت المتلف عليها صحفتها ، وحول الصحفة المكسورة إلى بيت التي كسرتها ، ولم يكن في ذلك شيء مما توهم هذا المحتج علينا بما احتج به مما ذكرنا .
ومما يدل على صحة ما نحن عليه من القول الذي أنكره علينا ، وعدنا به مخالفين لما في هذه الآثار ، ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ما أهل العلم جميعا عليه مجمعون ، وبه قائلون في العبد إذا كان بين رجلين ، فأعتقه أحدهما وهو موسر ، فأتلف بعتاقه نصيب شريكه منه أن عليه لشريكه فيه ضمان قيمة نصيبه ، لا نصف عبد مثله ، وسنذكر هذا وما روي فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى ، وفي اتفاقهم على ذلك مع إيجابهم في إتلاف الأشياء ذوات الأمثال من الأشياء المكيلات ، ومن الأشياء الموزونات أمثالها لا قيمتها ، ما قد دل أن الواجب في إتلاف الأشياء التي لا أمثال لها بكيل ولا بوزن قيمها لا أمثالها .
[ ص: 427 ] قال : فقد جعلتم في قتل الخطأ : مائة من الإبل على أهل الإبل ، وجعلتم في الجنين الملقى في بطن أمه ميتا : غرة عبد أو أمة ، وفي ذلك ما قد دل على وجوب الحيوان في الأشياء المتلفات .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن الذي احتج به علينا ليس مما كنا نحن وهو منه في شيء ؛ لأن النفس المجعول فيها مائة من الإبل ليست الإبل أمثالا لها ؛ ولأن الجنين الملقى من بطن أمه ميتا ليست الغرة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم فيه مثلا له ، ولكن ذلك عبادة تعبدنا الله عز وجل بها فلزمناها ، ولم نخالفها إلى ضدها .
فقال : فقد رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم إجازته لاستقراض الحيوان .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كما روي عنه فيه ، وكان ذلك عندنا - والله أعلم - قبل تحريم الربا ، وقبل تحريم رد الأشياء إلى مقاديرها ، لا زيادة في ذلك على مقاديرها ، ولا نقصان فيه عنها .
والدليل على ذلك أن ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في استقراض الحيوان إنما روي عنه في استقراض بعير استقرضه ، وكأن الذين ذهبوا إلى ذلك ، وتمسكوا بهذا الحديث وعملوا به ولم يجعلوه منسوخا قد أجازوه في استقراض ذكور الحيوان ، وفي ذلك ما قد دل على رفع الخصوص من ذلك ، وعلى استعمال ذلك الحكم فيما استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، وفي سائر الحيوان ، وكان القياس حتما واستعماله واجبا في الأشياء التي لا توقيف [ ص: 428 ] فيها ، وكان الذين أجازوا ما ذكرنا قد منعوا من استقراض الإماء ، فلم يجيزوا ذلك ، والأمة المستقرضة تخرج من ملك مقرضها إن جاز القرض فيها إلى ملك الذي استقرضها ، كما تخرج بالبيع من ملك بائعها إلى ملك مبتاعها .
فكان في ذلك ما قد دل أن الحرمة لما وقعت في استقراض الأمة وقعت في استقراض سائر الحيوان ، وأنه لا يمنع من استقراض الأمة لو كان القرض في الحيوان طلقا أن يكون في ذلك ما يبيح مستقرض الأمة وطأها وردها إلى مقرضها ، كما لم تقع الحرمة في بيع الأمة التي ينطلق لمبتاعها وطؤها وإقالة بائعها منها .
فقال هذا القائل : فقد أجزتم أنتم وجوب الحيوان في معنى ما ، وجعلتموها فيه دينا ، من ذلك ما قد قلتموه في التزويج على أمة وسط أنه جائز ، فكان يلزمكم أن تجيزوا البيع بأمة وسط بدار .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أنا أجزنا من ذلك ما أجزنا ، ومنعنا مما منعنا اتباعا لما وجدنا المسلمين عليه ، وذلك أنهم حكموا في الجنين من الحرة بغرة ، وحكموا في الجنين من الأمة بخلاف ذلك ، من ذلك ما قال قائلون : إن عليه نصف عشر قيمة أمه إذا ألقته ميتا ، وممن قال ذلك : مالك والشافعي .
وقال قائلون : فيه ما نقص أمه كما يكون مثل ذلك في جنين البهيمة إذا ضرب بطنها فألقته ميتا ، وقد روي هذا القول عن . أبي يوسف
وقال آخرون : إن الجنين إذا كان أنثى ففيه عشر قيمته لو ألقته حيا فمات ، وإن كان ذكرا ففيه نصف عشر قيمته لو ألقته حيا ثم [ ص: 429 ] مات ، وممن كان يقول ذلك أبو حنيفة ومحمد بن الحسن ، وهو المشهور عن ، فلما جعلوا في جنين الحرة الذي ليس بمال غرة ، وفي جنين الأمة الذي هو مال قيمة ، عقلنا بذلك أن ما هو مال لا يجوز استعمال الحيوان فيه ، وأن ما ليس بمال جائز فيه استعمال الحيوان ، وفي ذلك ما قد دل على جواز التزويج على الحيوان ومنع الابتياع بالحيوان الذي يكون في الذمم ، والله عز وجل نسأله التوفيق . أبي يوسف