[ ص: 191 ] 821 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دفعه : أن الناس يعذبون في قبورهم ، لما سئل عن ذلك بعد قول اليهودية لعائشة : أعاذك الله من عذاب القبر
5195 - حدثنا ، قال : أخبرنا يونس : أن ابن وهب حدثه مالكا
5196 - وحدثنا ، قال : حدثنا المزني ، قال : أخبرنا الشافعي ، ثم اجتمعا جميعا ، فقالا : عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ابنة عبد الرحمن : عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيعذب الناس في قبورهم ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائذا بالله من ذلك . عائشة
ثم ركب رسول الله ذات غداة مركبا ، فخسفت الشمس ، فرجع ضحى ، فمر بين ظهراني الحجر ، فقام يصلي .... فذكرت صلاة الكسوف وكيف صلاها ، قالت : ثم انصرف ، فقال ما شاء الله أن يقول ، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر أن يهودية جاءت تسألها ، فقالت أعاذك الله من عذاب القبر ، فسألت .
[ ص: 192 ] ففي هذا الحديث بدءا دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون الناس يعذبون في قبورهم ، وأمره الناس بعد ذلك أن يتعوذوا من عذاب القبر .
فكان دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذلك بدءا عندنا - والله أعلم - قبل أن يوحى إليه أن الناس يعذبون في قبورهم ، ثم أوحي إليه بعد ذلك : أنهم يعذبون في قبورهم ، فأمرهم أن يتعوذوا بالله من ذلك .
فقال قائل : وكيف تقبلون هذا ؟ وقد رويتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر .
5197 - ما قد حدثنا محمد بن عزيز الأيلي ، قال : حدثنا سلامة بن روح ، عن ، قال : قال عقيل بن خالد : وحدثني ابن شهاب ابن أبي نملة : [ ص: 193 ] أن أبا نملة الأنصاري ، أخبره : محمد هل تتكلم هذه الجنازة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الله أعلم " . فقال اليهودي : أنا أشهد أنها تتكلم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ، ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله ، وكتبه ، ورسله ، فإن كان حقا ، لم تكذبوهم ، وإن كان باطلا ، لم تصدقوهم أنه بينما هو جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من اليهود ، فقال : يا .
[ ص: 194 ]
5198 - وما قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثني عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، عن عقيل ، قال : أخبرني ابن شهاب ابن أبي نملة : أن أبا نملة الأنصاري أخبره ، ثم ذكر مثله .
قال : ففي هذا الحديث أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يكذبوا أهل الكتاب بما حدثوهم به ، ولا يصدقوهم ، إذ كانوا قد قرؤوا من كتب الله ما لم يقرأه المحدثون بذلك من أمته ، وفي الحديث الأول دفع ما حدثته به عن اليهودية وهذا تضاد شديد ! عائشة
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل وعونه - : أنه قد يحتمل أن يكون الذي كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الأول ، كان قبل أن يؤمر بالالتفات إلى ما حدثه به أهل الكتاب ، ثم أمر بعد ذلك بالوقوف عنده ، وترك التصديق به ، والتكذيب له ، فكان ما حدثوه به ، له دفعه ، كما للرجل دفع ما لم يعلمه ، وإن كان في الحقيقة حقا ، ألا ترى أن رجلا لو ادعى على رجل مالا ، أنه له عليه ، والمدعى عليه لا يعلم بذلك ، أنه في سعة من إنكاره إياه ، ومن حلفه له عليه ، وإن كان قد يجوز أن يكون له عليه ، فذهبت عنه معرفته ، أو كان منه [ ص: 195 ] بانقلابه في نومه على مال له ، فأتلفه عليه ، فوجبت له عليه قيمته ، وهي المال الذي ادعاه عليه .
وكان مثل ذلك ما كان منه - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن ما لا يعلم ، كان في سعة من نفيه ، وإن كان قد يحتمل أن يكون في الحقيقة بخلاف ما هو عليه عنده ، ثم أمر - صلى الله عليه وسلم - أن يقابل مثل ذلك إذا قيل له بمثل ما في الحديث الثاني ، وإن كان ما في الحديث الأول واسعا له ، مع أنا قد تأملنا حديث عمرة الذي بدأنا بذكره في هذا الباب عن ، فوجدنا غير واحد من الرواة عن عائشة قد خالفوها عنها ، فمنهم عائشة مسروق بن الأجدع :
5199 - كما حدثنا ، قال : حدثنا أبو أمية محمد بن سابق ، قال : حدثنا ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق أم المؤمنين أنها قالت : عائشة أتتني عجوز يهودية ، فقالت : يعذب أهل القبور ، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال : صدقت ، يعذب أهل القبور عذابا تسمعه البهائم .
5200 - وكما حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا الهيثم بن جميل ، عن جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، قالت : عائشة المدينة [ ص: 196 ] قالتا لي: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم ، فكذبتهما ، ولم أصدقهما ، فخرجتا ، ودخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله إن عجوزين دخلتا علي ، فزعمتا أن أهل القبور يعذبون ، فقال : صدقتا ، إنهم ليعذبون عذابا تسمعه البهائم كلها .
فقالت : فما رأيته بعد ذلك في صلاة ، إلا يتعوذ من عذاب القبر عائشة دخل علي عجوزان من عجائز يهود .
ومنهم ذكوان .
[ ص: 197 ]
5201 - حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ، قالا : حدثنا وأسد ، عن ابن أبي ذئب ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ذكوان ، عن ، قالت : عائشة استطعمت يهودية ، فقالت : أطعموني ، أعاذكم الله من فتنة الدجال ، ومن فتنة عذاب القبر ، فقلت : يا رسول الله ، ما تقول هذه اليهودية ؟ قال : " وما قالت؟ " قلت : فإنها قالت : أعاذكم الله من فتنة الدجال ، وفتنة عذاب القبر ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع يديه ، فبدأ يستعيذ بالله من فتنة الدجال وعذاب القبر .
وقد روى ، عن عروة بن الزبير في ذلك : عائشة
5202 - ما قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن عروة : عائشة
قالت : فلبثنا ليالي ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : أما شعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور ؟ " قالت : ثم سمعت رسول الله [ ص: 198 ] - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ من عذاب القبر عائشة أن يهودية دخلت عليها وعندها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : أشعرت أنكم تفتنون في القبور ؟ فارتاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : " إنما تفتن يهود " . .
قال : فكان في هذا الحديث ما قد دل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان دفع ذلك في البدء قبل أن يوحى إليه أنهم يفتنون في قبورهم ، ثم أوحي إليه أنهم يفتنون في قبورهم ، فرجع إلى التصديق بذلك ، والاستعاذة منه . أبو جعفر
وفي هذا ما قد دل على موافقة عروة على ما روت من ذلك عن عمرة ، وكان هذا عندنا - والله أعلم - أولى بما روي عن عائشة مما رواه عائشة مسروق وذكوان عنها ; لأن في هذا تقدم دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ثم إثباته إياه بعد ذلك .
فكان الذي كان عند مسروق وذكوان في ذلك ، هو الأمر الثاني ، وكان الذي كان عند عروة وعمرة ، الأمر الأول ، والأمر الثاني ، فكانا بذلك أولى ، وكانا بما حفظا من ذلك قد حفظا ما قصر مسروق وذكوان عن حفظه ، والله نسأله التوفيق .