[ ص: 405 ] 774 - باب بيان مشكل ما روي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - من قوله لأبي برزة لما استأذنه في قتل الرجل الذي استأذنه في قتله ، إنها لم تكن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك الشيء ما هو ؟ .
حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن يونس بن عبيد ، عن حميد بن هلال عبد الله بن مطرف بن الشخير أنه حدثهم ، عن ، قال : أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - في عمله ، فغضب على رجل من المسلمين فاشتد غضبه عليه جدا ، قال : فلما رأيت ذلك ، قلت : يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أضرب عنقه ؟ فلما ذكرت القتل صرف عن ذلك الحديث أجمع ، فلما تفرقنا أرسل إلي بعد ذلك ، فقال : يا أبي بكر الصديق أبا برزة ما قلت ؟ ونسيت الذي قلت ، قلت : ذكرنيه ، قال : أما تذكر يوم قلت كذا وكذا ، أكنت فاعلا ذلك ؟ قلت : نعم ، والله لو أمرتني فعلت ، فقال : ويحك ، إن تلك والله ما هي لأحد بعد محمد صلى الله عليه وسلم كنا عند .
[ ص: 406 ]
حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن المنهال الضرير ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن يونس بن عبيد ، عن حميد بن هلال عبد الله بن مطرف ، عن ، قال : أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - فاشتد غضبه على رجل من المسلمين ، فقلت : يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أضرب عنقه ، قال : فتركني لا يكلمني ، ثم لقيته بعد أيام فذكر ما قلت ، قال : قلت : ما قلت ؟ قال : تذكر يوم كنت عندي فاشتد غضبي على رجل من المسلمين ، فقلت : يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أضرب عنقه ؟ قلت : الآن إن أمرتني فعلت ، قال أبي بكر الصديق أبو بكر : ليست تلك لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت ذات يوم عند .
قال : ففي هذا الحديث من قول أبو جعفر أبي بكر لأبي برزة ما فيه مما قد ذكرناه فيه ، فاحتمل أن يكون أراد أعني أبا بكر - رضي الله عنه - بقوله : إنها لم تكن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل أحدا [ ص: 407 ] لغضبه عليه ، واحتمل أن يكون لا يقتل أحد إلا بأمر من يأمر بقتله حتى يعلم المأمور استحقاقه لذلك ، ويكون من بعد النبي صلى الله عليه وسلم غير مطاع في ذلك ، كما كان يطاع هو صلى الله عليه وسلم فيه ; لأنه المأمون على أفعاله وعلى أقواله ، ولأن أقواله وأفعاله إنما هي مردودة إلى الله - عز وجل - واجب التصديق بها ، وإجراء الأمور عليها وغيره في ذلك بخلافه ، ثم وجدنا هذا الحديث قد روي بألفاظ أخر .
كما حدثنا ، قال : حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، قال : سمعت عمرو بن مرة أبا سوار يحدث ، عن ، قال : أبي برزة - رضي الله عنه - وقد أغلظ على رجل ، فرد عليه الرجل ، فقلت : ألا أضرب عنقه ، فانتهرني ، وقال : إنها ليست لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق أتيت على .
غير أنا وجدنا هذا الحديث قد اختلف علينا في من بين ، وبين عمرو بن مرة في إسناده ، فقال فيه أبي برزة : عن شعبة عمرو ، سمعت أبا سوار يحدث ، عن ، وقال أبي برزة : عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم بن أبي الجعد . أبي برزة
كما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، عن معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة [ ص: 408 ] ، عن سالم بن أبي الجعد ، قال : أبي برزة على رجل فقلت : من هو يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لم ؟ قلت : لأضرب عنقه إن أمرتني بذلك ، قال : وكنت فاعلا ؟ قلت : نعم ، قال : فوالله لأذهب عظم كلمتي التي قلت غضبه ، ثم قال : ما كانت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر تغيظ .
ثم وجدنا رواته ، عن ، عن الأعمش عمرو يختلفون فيه أيضا ، فيقول فيه أبو معاوية : عن ، ويقول فيه سالم بن أبي الجعد حفص بن غياث : عن . أبي البختري
كما حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا عمر بن حفص بن غياث النخعي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، قال : رأيت أبي برزة - رضي الله عنه - ثم ذكر مثله . أبا بكر
ووافق حفصا على ما رواه عليه . عبد الواحد بن زياد
حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا ، قال : [ ص: 409 ] حدثنا إبراهيم بن الحجاج ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن سليمان الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، قال : حدثني أبي البختري ، قال : انتهيت إلى أبو برزة الأسلمي ، ثم ذكر مثله . أبي بكر
ووجدنا هذا الحديث أيضا من رواية ، عن زيد بن أبي أنيسة بموافقة عمرو بن مرة إياه عليه . شعبة
كما حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن زيد ، يعني : ابن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرة أبي سوار ، عن ، قال : أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - على رجل ، لم نر أشد غضبا منه يومئذ ، فقال له أبو بكر أبو برزة : يا خليفة رسول الله ، مرني فأضرب عنقه ، قال : فكأنها نار أطفئت ، قال : ثم خرج أبو برزة ، ثم أرسل إليه أبو بكر ، فقال : ثكلتك أمك ، ما قلت ؟ قال : قلت : والله إن أمرتني بقتله لأقتلنه ، قال : ثكلتك أمك أبا برزة ، إنها لم تكن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب .
[ ص: 410 ] قال : فاحتمل أن يكون الذي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك هو : قتل من كانت سبيله السبيل المذكورة في هذه الآثار ، وأن ذلك ليس لأحد بعده . أبو جعفر
ثم وجدنا هذا الحديث أيضا قد جاء بألفاظ أخر ، بمعان سوى معاني ما ذكرناه فيما قبله منها .
كما حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، عن شعبة توبة العنبري ، عن أبي سوار ، عن : أبي برزة - رضي الله عنه - فقلت : ألا أضرب عنقه يا خليفة رسول الله ؟ فقال : لا ، ليست هذه لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن رجلا سب .
[ ص: 411 ] فكان في هذا الحديث سب ذلك الرجل أبا بكر ، وقول أبي بكر لأبي برزة حين استأذنه في قتله إياه لذلك : ليست هذه لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك المعنى مخالفا للمعاني المذكورة فيما رويناه قبله من هذه الآثار ، وكان معقولا : أن من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كافرا حلال الدم ، وليس من سب غيره كذلك ، فاضطرب علينا معنى ما أريد به في حديث هذا من خصوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خص به دون الناس الذي يتولون الأمور بعده . أبي برزة
ثم وجدنا أهل العلم قد اختلفوا في هذا وأمثاله مما يأمر به الولاة غيرهم من الناس ، هل يسع المأمورين امتثال ذلك ، أو لا يسعهم ، فكان بعضهم يقول : ذلك واسع للمأمورين أن يفعلوه بأمور حكامهم ، وبأمور من سواهم ممن ولاية ذلك لهم ، ومن القائلين بذلك : أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد .
كما حدثنا محمد بن العباس ، عن ، عن علي بن معبد محمد بن الحسن ، عن ، عن يعقوب بغير خلاف ذكره عنهم فيه ، غير أن أبي حنيفة محمد بن الحسن قد كان قال بعد ذلك في " نوادره " التي حكاها عنه ، وأخذناها نحن من محمد بن سماعة ابن أبي عمران مذاكرة لنا بها عنه أنه قال : . لا يسع المأمور أن يفعل ذلك حتى يكون الذي يأمره به عنده عدلا ، وحتى يشهد عنده بذلك عدل سواه على المأمور فيه بذلك في غير الزنى ، ولا يسعه في الزنى ذلك حتى يشهد عنده ثلاثة رجال على المأمور فيه بذلك ، بوجوب ذلك عليه على ما أمره به فيه بالذي أمره به فيه ، ولا نعلم لأهل العلم في هذا الباب قولا غير هذين القولين
[ ص: 412 ] وكان الذي ذكرناه ، عن أهل القول الأول منها ، إنما أرادوا به العدل من الأمرين لا من سواهم ; لأن من خرج عن العدل الذي به استحق الولاية على ما يتولى إلى ضده ذاك عن الولاية على ذلك ، وانعزل عنها ، فلم يكن واليا عليها ، وكان القول الثاني من هذين القولين في القياس لا معنى له ; لأنه ليس للمأمور بما ذكرنا استماع شهادة من شاهد بها ، إذ ليس هو حاكما ، فيسمع ذلك بما إليه من استماع ما يستعمله في أحكامه ، فبان بذلك فساد هذا القول ، وثبت القول الأول ، إذ لم يكن في هذا الباب غير هذين القولين ، فلما انتفى أحدهما ثبت الآخر .
ثم نظرنا : هل روي في هذا الباب شيء سوى حديث الذي ذكرناه أم لا . ؟ أبي برزة
4898 - فوجدنا ، قد حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو عمر بن الحكم ، عن : أبي سعيد الخدري علقمة بن مجزز المدلجي على جيش ، فبعث سرية ، واستعمل عليهم عبد الله بن حذافة السهمي ، فكان رجلا فيه دعابة ، وبين أيديهم نار قد أججت ، فقال لأصحابه : أليس طاعتي عليكم واجبة ؟ قالوا : بلى ، قال : فاقتحموا هذه النار ، فقام رجل ، فاحتجز حتى يدخلها ، فضحك ، وقال : إنما كنت ألعب ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ، وقال : أوقد فعلوا [ ص: 413 ] هذا ، فلا تطيعوهم في معصية الله - عز وجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل .
4899 - ووجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا يوسف بن يزيد حجاج بن إبراهيم ، قال : حدثنا ، عن إسماعيل بن جعفر ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : محمد بن عمرو علقمة بن محزز بالحاء .
قال : فكان معقولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ولى أبو جعفر عبد الله بن حذافة على ما ولاه عليه ، كان ذلك ليطيعوه فيما يأمرهم به مما إليه أن يأمرهم به ، ولذلك أراد من أراد منهم أن يلقي نفسه في النار لما أمرهم بذلك ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فلا تطيعوهم في معصية الله " . فأخرج بذلك أمرهم إياهم بمعصية الله مما كان جعله عليهم من طاعتهم من ولاه عليهم ، وفي ذلك ما قد دل على القول الأول من القولين اللذين ذكرناهما في هذا الباب ، وبان بذلك : أن معنى قول أبي بكر - رضي الله عنه - أنها لم تكن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أراد بذلك : أنه لم يكن لأحد أن يأمر بقتل أحد لسب سبه من سواه مما ينطلق به له مثل ذلك فيمن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سواه في ذلك ; لأن من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كافرا واجبا على أمته قتله ، [ ص: 414 ] أمروا بذلك أو لم يؤمروا بذلك ، ومن سب من سواه من ولاة الأمور بعده ، فالذي يستحقه على ذلك الأدب عليه أدب مثله ، فأما ما سوى ذلك مما يوجبه عليه خروجه عن الإسلام إلى الكفر فلا ، والله نسأله التوفيق .