[ ص: 274 ] 755 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان منه في سلب أبي جهل ومن نفله إياه من الناس ، وفيما احتج به محمد بن الحسن مما ذكر أن ما روي في ذلك يوجب ما قاله فيه .
قال محمد بن الحسن : لو أن عسكرا من المسلمين دخل أرض الحرب وعليهم أمير ، فقال الأمير : من قتل قتيلا فله سلبه ، فضرب رجل من المسلمين رجلا من المشركين فصرعه ، واحتز آخر رأسه ، فالسلب للذي صرعه ، وإن كان لم يقتله ، وإن كان صرعه وضربه ضربا يقدر على التحامل معه والعود بكلام أو غيره فالسلب للذي احتز رأسه ، قال : وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال يوم بدر : " من قتل قتيلا فله سلبه " . فضرب ابن عفراء أبا جهل ، فأثخنه ، وقتله ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم سلبه ابن مسعود لابن مسعود ، وكذلك إن كان الذي صرعه ضربه ضربا لا يعاش من مثله يعلم أن آخره الموت ، إلا أنه ربما عاش اليوم واليومين والثلاثة ، وأقل من ذلك وأكثر ، إلا أن الآخر احتز رأسه فالسلب للذي احتز رأسه ، وإن كان الأول ضربه فنثر ما في بطنه فألقاه أو قطع أوداجه إلا أن فيه شيئا من الروح ، ثم إن الآخر احتز رأسه فالسلب للذي صرعه ، وليس للذي احتز رأسه شيء ; لأن هذا [ ص: 275 ] إنما بقي منه مثل الذي يكون من الحركة عند الموت .
فتأملنا ما قال محمد في هذا ، فكان الذي قاله من باب الفقه كما قاله فيه ، وكان الذي قال في أمر أبي جهل وهما منه ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم منه أنه كان قال : من قتل قتيلا فله سلبه ، إلا في يوم حنين ، لا فيما قبل ذلك من يوم بدر ، ولا مما بعده ، وإنما كانت الأمور تجري في الأسلاب على ما ذكرناه في الباب الذي قبل هذا الباب ، فاحتج محتج لمحمد بن الحسن في ذلك .
4788 - بما قد حدثنا ، قال : حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا القواريري ، عن وكيع ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة عبد الله أبي جهل يوم بدر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفله سيف .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أن الذي في هذا الحديث ، إنما هو تنفيل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف ابن مسعود أبي جهل لا ما سواه من سلبه ، وفي ذلك ما قد دل : أنه لم يكن تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قول يوجب سلب القاتل ، ولو كان ذلك كذلك لدفع [ ص: 276 ] سلب أبي جهل بكليته إلى قاتله .
ومما قد روي في أمر أبي جهل مما هو أصح مما ذكرنا وأثبت إسنادا 4789 - ما قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري ، قال : حدثني يوسف بن الماجشون صالح بن إبراهيم ، عن ، عن أبيه ، قال : عبد الرحمن بن عوف أبا جهل ، فقلت : وما حاجتك إليه يا ابن أخي ، فقال : أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي نفسي بيده لو رأيته لا يفارق سوادي سواده ، حتى يموت الأعجل منا ، فعجبت لذلك ، وغمزني الآخر ، فقال مثلها ، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل ترجل في الناس ، فقلت : ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه ، فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ، ثم أتيا رسول الله فأخبراه ، فقال : أيكما قتله ، قال كل واحد منهما : أنا قتلته ، فقال : أمسحتما سيفيكما ، قالا : لا ، فنظر في السيفين ، فقال : كلاكما قتله ، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ، والرجلان : معاذ بن عمرو بن الجموح ، ومعاذ بن عفراء إني لقائم يوم بدر بين غلامين حديثة أسنانهما ، تمنيت لو أني بين أضلع منهما ، فغمزني أحدهما ، فقال : يا عم ، أتعرف .
[ ص: 277 ] ففي هذا الحديث ، قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلب لأحد رجلين قد أخبرا رسول الله قبل ذلك : أن كليهما قد قتله ، ففي ذلك ما قد دل أنه لم يكن لسلبه مستحق بعينه ، وإنما كان سلبه مردودا إلى ما يراه رسول الله فيه من سماح به لمن يقتله ، ومما سوى ذلك ، والدليل على هذا أيضا دفع بعض سلبه إلى ومنعه بقيته ، ودفع بقية سلبه بعد الذي نفله منه ابن مسعود إلى ابن مسعود معاذ بن عمرو دون معاذ بن عفراء ، وفي هذا ما قد دل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن تقدم منه يومئذ ما ذكر محمد بن الحسن أنه كان تقدم منه من القول يومئذ ، وأن ذلك إنما كان مما سمح به لمن شاء أن يسمح به له ومما منع من سواه مما منعه منه من قتله أبي جهل ، لا لما قاله محمد بن الحسن مما ذكرناه عنه ، والله نسأله التوفيق .