[ ص: 478 ] 927 - باب بيان مشكل ما روي في السبب الذي من أجله قيل : بيعة الرضوان ، كان سببها مع غيبته عنها . عثمان بن عفان
5771 - حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا يوسف بن بهلول ، حدثنا ، حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم الحديبية ، قال : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة ، وحمله على جمل له يقال له : الثعلب . فلما دخل غدرت قريش ، فأرادوا قتل خراش ومنعته الأحابيش حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا رضي الله عنه ليبعثه إلى عمر بن الخطاب أهل مكة ، فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي ، وليس بها من عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني : ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه إلى عثمان بن عفان قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وأنه إنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته ، فخرج عثمان حتى أتى مكة ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص ، فنزل عن دابته ، وحمله فردفه ، وأجاره حتى يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء [ ص: 479 ] قريش ، فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به ، فقالوا لعثمان : إن شئت أن تطوف أنت بالبيت فطف ، فقال : ما كنت أفعل حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل ، قال : فأخبرني ابن إسحاق عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن عثمان قد قتل ، فكانت بيعة الرضوان ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان كان باطلا في حديث .
ففي هذا الحديث : أن تلك البيعة كانت يومئذ لما بلغ رسول الله [ ص: 480 ] صلى الله عليه وسلم أنه كان من أهل مكة في عثمان ما بلغه أنه كان منهم فيه ، فبايع الناس حينئذ على ما بايعهم مما لم يكن بايعهم من قبل على مثله .
5772 - كما حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا ، عن أبو نعيم ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس أبي العالية وغيره ، عن ، قال : عبد الله بن المغفل بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة على أن لا نفر [ ص: 481 ] .
5773 - وكما حدثنا روح بن الفرج ، حدثنا مهدي بن جعفر ، حدثنا ، عن حاتم بن إسماعيل ، عن يزيد بن أبي عبيد ، قال : سلمة بن الأكوع قلت له : على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : على أن لا نفر .
فكانت تلك البيعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بما كان بلغه أنه كان من أهل مكة في عثمان ما كان ، فقيل : إنه كان سببا لها من أجل ذلك .
وقد سمعت المزني : يقول : بسبب الشافعي عثمان نزلت بيعة الرضوان .
فقال قائل : فإن عثمان قد كان غائبا عنها ، فكان من شهدها أولى [ ص: 482 ] بالفضيلة بها من عثمان .
فكان جوابنا له في ذلك : أن هذا الكلام يدل على جهل من هذا القائل بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبمناقب أصحابه فيها ، لأن عثمان قد كان له فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل ما كان منه لأحد من الناس ممن كان حاضرا لتلك البيعة ، وممن كان غاب عنها .
5774 - كما حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن أبي داود عيسى بن إبراهيم ، حدثنا كليب بن وائل ، حدثني هانئ بن قيس ، عن حبيب بن أبي مليكة قال : ، فجاء رجل فقال : ابن عمر أبا عبد الرحمن أخبرني عن هل شهد بدرا ؟ قال : لا . قال : فهل شهد بيعة الرضوان ؟ قال : لا . قال : فكان فيمن تولى يوم التقى الجمعان ؟ قال : نعم . قال : فولى الرجل . فقال رجل عثمان بن عفان لعبد الله بن عمر : إن هذا يذهب فيخبر الناس أنك وقعت في عثمان . قال : وهل فعلت كذلك ؟! قال : علي بالرجل ، فرده . قال : أتدري ما قلت لك ؟ قال : نعم ، سألتك : هل شهد ابن عمر عثمان بدرا ؟ قلت : لا . وسألتك : هل شهد عثمان بيعة الرضوان ؟ قلت : لا . وسألتك : هل كان فيمن تولى يوم التقى الجمعان ؟ قلت : نعم . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : إن ابن عمر عثمان قد انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله ، فضرب له بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان وهو يريد أن يدخل مكة . فقال : إن عثمان قد انطلق في حاجة الله ورسوله ، وإني أبايع الله له ، فصفق إحدى يديه على [ ص: 483 ] الأخرى ، وقد قال الله عز وجل : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم فقد عفا الله عنه فاجهد جهدك كنت قاعدا إلى جنب .
5775 - وكما حدثنا ، حدثنا أبو أمية ، حدثنا معاوية بن عمرو الأزدي ، حدثني عن أبو إسحاق الفزاري كليب بن وائل ، عن هانئ بن قيس ، عن حبيب بن أبي مليكة النهدي قال : ، فأتاه رجل فقال : يا ابن عمر ، أشهد عبد الله بن عمر عثمان بيعة الرضوان ؟ قال : لا ، قال : أفكان فيمن تولى يوم التقى الجمعان ؟ قال : [ ص: 484 ] نعم . فولى الرجل . فقال رجل لعبد الله بن عمر : إن هذا يذهب ، فيخبر الناس أنك وقعت في عثمان كنت جالسا عند ، ثم ذكر الحديث .
فبان بحمد الله ونعمته أنه قد كان لعثمان في تلك البيعة مع غيبته عنها ما لم يكن لأحد شهدها سواه ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع له ، وصفق بيده على يده ، فأي فضيلة كهذه الفضيلة التي كانت له في بيعة الرضوان .