[ ص: 316 ] 400 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله في الصدقة : لا حق فيها لغني ولا لقوي مكتسب .
2507 - حدثنا قال : حدثنا يونس وحدثنا أنس بن عياض قال : حدثنا أبو أمية قال جعفر بن عون أنس : عن ، وقال هشام بن عروة جعفر : حدثنا ثم اجتمعا فقالا : عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : حدثني عبيد الله بن عدي بن الخيار رجلان من قومي أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الصدقة ، فسألا منها فرفع البصر وخفضه فرآهما جلدين قويين ، فقال : إن شئتما فعلت ، ولا حق فيها لغني ولا لقوي مكتسب .
[ ص: 317 ]
2508 - حدثنا قال : حدثنا يونس قال : أخبرني ابن وهب ، عمرو بن الحارث ، عن والليث بن سعد . هشام بن عروة
وحدثنا قال : حدثني بكار ، قال : حدثنا الحجاج بن منهال حماد بن سلمة ، عن وهمام فذكر بإسناده مثله . هشام
قال : فتأملنا هذا الحديث في إسناده فوجدنا فيه عن رجلين من قوم أبو جعفر عبيد الله بن عدي لم يسمهما فيعلم بذلك أنهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيجب قبول ما رويا ، وقد يحتمل أن لا يكونا من أصحابه ، وكانا من الأعراب ممن اعترضه في الصدقة ولكنا تأملناه مع ذلك لنقف على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوابه الذي أجاب به ذينك [ ص: 318 ] الرجلين فوجدنا قوله : " لا حق فيها لغني " يعني الصدقة أي : أني لا علم لي بحقيقة أموركما من غنى أو فقر وأنتما بذلك أعلم مني فاعملا فيها ما يوجبه ما قد سمعتماه مني فيها أنه لا حق فيها لغني .
ثم تأملنا قوله : " ولا لقوي مكتسب " فوجدنا الصدقة قد تحل للفقير القوي ، وكان معنى قوله : " ولا حق فيها لقوي مكتسب " يريد صلى الله عليه وسلم الحق الذي هو أعلى مراتب الحقوق بالصدقة التي يستحق بها وليس هو القوة ولا الجلد الذي يستغنى به عنها كما تغلظ العرب الشيء من هذا الجنس ، فتقول : فلان عالم حقا إذا كان في أعلى مراتب العلم ، ولا تقوله لمن هو في دون أعلى مراتبه وإن كان عالما .
ومثل ذلك ما قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما قاله في رضي الله عنه . أبي عبيدة بن الجراح
2509 - كما حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر قال : حذيفة أهل نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ابعث لنا رجلا أمينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين حق أمين ، فاستشرف لها الناس فدعا أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه جاء .
[ ص: 319 ]
2510 - كما حدثنا فهد قال : حدثنا قال : حدثنا يحيى بن الحماني ، عن عبد الرحيم بن سليمان ، عن زكريا ، عن أبي إسحاق ، عن صلة قال : حذيفة أسقف نجران أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم ذكر مثله .
[ ص: 320 ]
2511 - وكما حدثنا قال : حدثنا يوسف بن يزيد قال : حدثنا أسد بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر رضي الله عنه ابن مسعود العاقب والسيد صاحبي نجران أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد أن يلاعنهما ، فقال أحدهما لصاحبه : لا تلاعنه فوالله لئن كان نبيا فلاعناه لا نفلح ولا عقبنا من بعدنا ، ولكن نعطيه ما سأل قالوا : نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث معنا إلا أمينا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لأبعثن معكما رجلا أمينا حق أمين حق أمين ، فاستشرف لها أصحابه فقال : قم يا أبا عبيدة بن الجراح ، فلما قفى قال : هذا أمين هذه الأمة أن .
[ ص: 321 ] فكان قوله صلى الله عليه وسلم فيه : " حق أمين حق أمين " إثباته لأبي عبيدة أعلى مراتب الأمانة وإن كان قد يكون من أهلها من هو دونه فيها ، وليس من أعلى مراتبها ، فمثل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ولا حق فيها لقوي مكتسب هو على هذا المعنى ، وعلى أعلى مراتب الاستحقاق لها ، وإن كان في المستحقين لها من هو دون ذلك في استحقاقها ، والله عز وجل نسأله التوفيق .