[ ص: 432 ] 285 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إطلاقه لأسلم أن يبدوا في الشعاب والأودية بعد بيعتهم إياه قبل ذلك على الهجرة .
1731 - حدثنا فهد بن سليمان ، قالا : حدثنا وعلي بن عبد الرحمن بن المغيرة ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، عن يحيى بن أيوب ابن حرملة - وهو عبد الرحمن - قال : حدثني محمد بن عبد الله بن الحصين ، أنه سمع عبد الله بن جرهد ، هكذا قال فهد في حديثه ، وقال علي في حديثه : إنه سمع عمر بن عبد الله بن جرهد ، ثم اجتمعا جميعا فقالا يقول : : من بقي معك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بقي لجابر بن عبد الله أنس بن مالك وسلمة بن الأكوع ، فقال رجل : أما سلمة فقد ارتد عن هجرته ، فقال جابر : لا تقل ذلك ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ابدوا يا أسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا نخاف أن نرتد عن هجرتنا ، فقال : ابدوا فأنتم مهاجرون حيث كنتم سمعت رجلا يقول } .
[ ص: 433 ]
[ ص: 434 ]
1732 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، عن يحيى بن أيوب ابن حرملة ، عن محمد بن إياس بن سلمة بن الأكوع ، أن حدثه ، { أباه قدم سلمة بن الأكوع المدينة فلقيه بريدة بن حصيب ، فقال : ارتددت عن هجرتك يا سلمة ، فقال : معاذ الله ، إني في إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ابدوا يا أسلم ، انتسموا الرياح ، واسكنوا الشعاب ، فقالوا : إنا نخاف أن يضرنا ذلك في هجرتنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم مهاجرون حيث كنتم أن } .
1733 - حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي أبو معشر البراء ، قال : أبو جعفر أبو [ ص: 435 ] معشر يوسف بن يزيد البراء براء العود ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن حرملة ، عن محمد بن إياس بن سلمة ، قال : حدثني ، قال : { أبي سلمة بن الأكوع المدينة فلقيه بريدة ، فقال : يا سلمة ارتدت هجرتك ، قال : معاذ الله ، إني في إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ابدوا يا أسلم فاسكنوا الشعاب قالوا : يا رسول الله ، إنا نخاف أن يضرنا ذلك في هجرتنا ، قال : أنتم مهاجرون حيث ما كنتم قدم } .
فقال قائل : ففيما رويت خروج أسلم من الإقامة بدار الهجرة إلى الدار الأعرابية وهذا خلاف ما رويته مما يوجبه ما رويته في الباب الذي قبل هذا الباب .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه ، أن الذي رويناه في الباب الذي قبل هذا الباب من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المرتد أعرابيا بعد هجرته ، هو عندنا - والله أعلم - على المرتد كذلك ارتدادا يخرج به من الهجرة التي توجب عليه الطاعة إلى الأعرابية التي لا طاعة معها ، وأسلم لم يكونوا كذلك بل كانوا على خلافه مما قد بينه عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روته عنه . عائشة
1734 - كما حدثنا ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي ، قال : حدثنا سعيد بن كثير بن عفير ، عن سليمان بن بلال عبد الرحمن بن حرملة ، عن عبد الله بن نيار ، عن ، عن عروة قالت : { عائشة أم سنبلة الأسلمية ومعها وطب من لبن [ ص: 436 ] تهديه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته عندي ومعها قدح لها ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : مرحبا وأهلا يا أم سنبلة ، فقالت : بأبي أنت وأمي أهديت لك هذا الوطب ، قال : بارك الله عليك صبي لي في هذا القدح ، فصبت له في القدح ، فلما أخذه قلت : قد قلت : لا أقبل هدية من أعرابي ، قال : أعراب أسلم يا إنهم ليسوا بأعراب ، ولكنهم أهل باديتنا ، ونحن أهل حاضرتهم إذا دعوناهم أجابوا ، وإذا دعونا أجبناهم . ثم شرب عائشة قدمت } .
[ ص: 437 ]
1735 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، عن محمد بن إسحاق ، عن صالح بن كيسان ، عن عروة بن الزبير ، ثم ذكر مثله . عائشة
1736 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، ثم ذكر بإسناده مثله . ابن إسحاق
قال : وفي حديث أبو جعفر الربيع شيء ذهب عنا ذكره ليس في حديث غيره وهو : فليسوا بالأعراب ، وختم بذلك حديثه
[ ص: 438 ] قال : فكان فيما رويناه من حديث أبو جعفر هذا إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة أسلم أنهم وإن كانوا قد تبدوا ، فإنهم قد كانوا يجيبون إذا دعوا إلى ما يريده رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا يجيبون إلى مثل ذلك لو لم يتبدوا ، وأنهم لما كانوا كذلك كانوا كهم لو لم يتبدوا .
وكان في ذلك ما قد دل أن التبدي المذموم هو التبدي الذي لا يجيب أهله إذا دعوا ، فأما التبدي الذي هو بخلاف ذلك فهو كالمقام بالحضرة ، وقد ذكر الله عز وجل الأعراب في كتابه في موضع فذمهم وأخبر أنهم أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ، وذكرهم في موضع آخر من كتابه ، فوصفهم بالإيمان ، فقال : ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول .
فكان الأعراب المذمومون فيما تلونا هم الذين يغيبون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يعلموا أحكام الله الذي ينزلها عليه ولا فرائضه التي يجريها على لسانه ، وكان من هو خلافهم منهم ما ذكرهم عز وجل به من الأمور التي حمدهم عليها ، وأثنى عليهم بها ، فكان الأسلميون رضوان الله عليهم ممن دخلوا في ذلك ، فكانوا كمن لا يفارقه ، والله نسأله التوفيق .