[ ص: 142 ] 429 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان أمر به حمنة ابنة جحش في الاستحاضة التي كانت بها .
2717 - كما حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، عن زهير بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عمه إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن أمه عمران بن طلحة قالت : حمنة ابنة جحش ، فقلت : يا رسول الله ، إني أستحاض حيضة كثيرة ، أو شديدة ، فما ترى فيها ، قد منعتني الصلاة والصوم ؟ قال : أنعت لك الكرسف ؛ فإنه يذهب الدم ، قالت : هو أكثر من ذلك ، قال : فتلجمي ، قالت : هو أكثر من ذلك ، قال : فاتخذي ثوبا قالت : هو أكثر من ذلك إنما يثج ثجا ، قال : سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر ، وإن قويت عليهما فأنت أعلم ، فإنما هي ركضة من ركضات الشيطان تحيضي ستة أيام ، أو سبعة في علم الله عز وجل حتى إذا رأيت أنك قد طهرت ، واستنقأت فصلي ثلاثا وعشرين أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها ، وصومي فإن ذلك يجزئك ، وافعلي كذلك في كل شهر كما تحيض النساء ، وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن ، وإن قويت [ ص: 143 ] على أن تؤخري الظهر ، وتعجلي العصر ، وتغتسلي ، ثم تجمعي بين الظهر والعصر ، وتؤخري المغرب وتعجلي العشاء ، ثم تغتسلي وتجمعي بين الصلاتين فافعلي ، وتغتسلي مع الفجر فصلي وصومي إن قدرت على ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهذا أعجب الأمرين إلي زينب ابنة جحش كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي .
[ ص: 144 ]
[ ص: 145 ]
2718 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا ، قال : أنبأنا يزيد بن هارون ، عن شريك بن عبد الله ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن أمه عمه حمنة ابنة جحش أنها استحيضت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إني استحضت حيضة منكرة شديدة ، فقال : احتشي كرسفا ، قالت : إنه أشد من ذلك ، إني أثجه ثجا ، قال : تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله عز وجل ستة أيام أو سبعة ، ثم اغتسلي غسلا وصلي وصومي ثلاثا وعشرين أو أربعا وعشرين ، أو أخري الظهر وقدمي العصر واغتسلي لهما غسلا ، وأخري المغرب وقدمي العشاء ، واغتسلي لهما غسلا .
2719 - وحدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا ، قال : قرأت على يحيى بن يحيى النيسابوري ، ثم ذكر هذا الحديث . شريك بن عبد الله
قال : فكان في هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو جعفر حمنة أن تتحيض في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ، ثم تصلي وتصوم ثلاثا وعشرين ، أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها ، فقال قائل : وكيف يجوز أن تقبلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا من أمره حمنة أن تدع الصلاة والصيام يوما قد يجوز أن عليها الصوم والصلاة فيه ؟
فكان جوابنا له في ذلك - بتوفيق الله عز وجل وعونه - : أن الذي ظنه [ ص: 146 ] مما أمرت به هذه المرأة مما ذكر في هذا الحديث ليس كما ظن ولم يأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما توهم أنه أمرها به مما رد الخيار فيه إليها أن تتحيض ستا أو سبعا ، ولكنه أمرها أن تتحيض في علم الله عز وجل ما أكبر ظنها أنها فيه حائض بالتحري منها لذلك ، كما أمر من دخل عليه شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى منها أم أربعا ، أن يتحرى أغلب ذلك في قلبه ، فيعمل عليه ، فمثل ذلك أمره هذه المرأة في حيضها بما أمرها به فيه ، ولا يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم إلا وقد أعلمته أنه قد ذهب عنها علم أيامها التي تحيضهن أي أيام هي من كل شهر ، فأمرها بتحريها ، كما أمر المصلي في صلاته عند شكه كم صلى منها بالعمل على ما يؤديه إليه تحريه فيه ، وكان ما في هذا الحديث من الستة أو السبعة إنما هو شك دخل على بعض رواته ، فقال ذلك على الشك ، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأمرها إلا بستة أيام أو بسبعة أيام ، لا باختيار منها في ذلك لأحد العددين ، ولكن لأن أيامها كانت - والله أعلم - أحد العددين ، وذهب عنها موضعها من كل شهر وأعلمته صلى الله عليه وسلم ذلك فأمرها بما أمرها به فيه .
وأما ما في هذا الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم لها : وإن قدرت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر وتغتسلي وتجمعي بين الظهر والعصر حتى ذكر مع ذلك ما ذكر في هذا الحديث ، فوجه ذلك عندنا - والله أعلم - على الرخصة منه لها في الجمع بين الصلاتين ، كما ذكر في هذا الحديث ؛ لأنه لا يأتي عليها وقت صلاة إلا احتمل أن تكون فيه حائضا لا صلاة عليها فيه ، أو طاهرا من حيض واجب عليها الغسل ، [ ص: 147 ] أو مستحاضة واجب عليها الوضوء ، وكان الذي عليها في ذلك أن تغتسل لوقت كل صلاة حتى تصلي الصلاة التي تغتسل لها على علم منها بأنها طاهر طهرا يجزئها معه تلك الصلاة ، فلما عجزت عن ذلك وضعفت عنه جعل لها صلى الله عليه وسلم أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل واحد ، وبين المغرب والعشاء بغسل واحد ، بتأخير الأولى منهما إلى وقت الآخرة منهما ، فتغتسل حينئذ ، ثم تصلي الأولى منهما إلى وقت الآخرة منهما ، وتصلي الآخرة منهما في وقتها ، وتغتسل للصبح غسلا فتصليها وهي طاهر بذلك الغسل ، وهذا فأحسن ما تقدر عليه تلك المرأة في صلواتها ، وهذا الحديث من أحسن الأحاديث المروية في هذا الجنس ، والله نسأله التوفيق .
فإن قال قائل : فلم أمرت أن تصلي الصلاتين في وقت الآخرة منهما ولم تؤمر أن تصليهما في وقت الأولى منهما ؟
قيل له : لمعنيين ؛ أما أحدهما فلأنها لو صلتهما في وقت الأولى منهما لكانت قد صلت الآخرة منهما قبل دخول وقتها .
والآخر أنها إذا دخل عليها وقت الآخرة منهما وجب عليها الغسل ، فتكون به طاهرا ، إلى آخر ذلك الوقت ويكون إذا صلت فيه الصلاتين جميعا صلتهما وهي طاهرة ، والله عز وجل نسأله التوفيق .