[ ص: 322 ] 401 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وهو على قبر إحدى ابنتيه اللتين كان عثمان تزوجهما : لا يدخل القبر أحد قارف أهله الليلة .
2512 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن علي بن داود قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة التيمي ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت رضي الله عنه قال : أنس ماتت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخل القبر أحد قارف أهله الليلة فلم يدخل زوجها .
[ ص: 323 ] قال : فابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه هي أبو جعفر أم كلثوم ، توفيت وكانت وفاتها رضي الله عنها في سنة تسع من الهجرة .
وتأملنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يدخل القبر أحد قارف أهله الليلة ، فوجدنا المقارفة قد تكون من المقاولة المذمومة [ وقد تكون من غيرها من الإصابة ، واستحال ] عندنا أن يكون أراد بذلك الإصابة ، لأن إصابة الرجل أهله غير مذمومة ، وكان الذين كان إليهم نزول قبرها وإدخالها فيه من ذوي أرحامها المحرمات منها ، ولا نعلم - كان - منهم حينئذ حاضرا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أبوها وغير عمه ، وغير من كان يمسها برحم محرم من قبل أمها وهو أخوها لأمها العباس بن عبد المطلب هند بن أبي هالة التميمي ، ومن عسى أن يكون بينه وبينها حرمة برضاع ، فكان [ ص: 324 ] هؤلاء أولى الناس بإدخالها قبرها ، واحتمل أن يكون فيهم سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قد كان بينه وبين أهله مقارفة لم يحمدها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، فلم يحب بذلك أن يتولى من ابنته ما يتولاه لو لم يكن ذلك منه ، وقد كان من خلقه صلى الله عليه وسلم الذي شرفه الله عز وجل به ، وجعله في أعلى مراتب الأخلاق ألا يواجه أحدا بشيء ، كان منه مما قد كرهه منه إنما يقول ذلك تعريضا به .
كمثل ما روي عنه عند قول أهل بريرة في بيعهم : نبيعكها - يعنون عائشة بريرة وهي مكاتبة - بيعا تعتق به على أن يكون ولاؤها لنا : أنه خطب الناس فقال : ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عز وجل من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق ، وشرطه أوثق ، إنما الولاء لمن أعتق ، وسنذكر ذلك بإسناده فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله ، فأسمعهم ذلك بخطابه الناس جميعا وهم فيهم به لينتهوا عنه .
ومن قوله صلى الله عليه وسلم : ما بال رجال يقول أحدهم : قد طلقتك قد راجعتك .
[ ص: 325 ]
2513 - حدثنا قال : حدثنا بكار بن قتيبة قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم يريد بذلك فاعليه وفي من خاطب بذلك غيرهم . أبي موسى
فمثل ذلك يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم : لا ينزل القبر من قارف أهله الليلة ؛ لأن فيمن خاطبه بذلك من كان ذلك منه في ليلته تلك ، وفيهم من لم يكن منه فيها ، فقال ذلك القول ليسمعه من كان ذلك منه في ليلته تلك ، فلا يدخل قبرها وهذا أحسن ما قدرنا عليه من معاني هذا الحديث التي يخرج عليها .
وأما ما فيه من قول الذي رواه : فلم يدخل زوجها يعني قبرها ، فإن ذلك قد حمله قوم على أنه محتمل عندهم أن يكون بينه وبينها قبل وفاتها في تلك الليلة هذه المقارفة ، وهم الذين يذهبون إلى أن للرجل أن يغسل زوجته بعد وفاتها ، فقالوا : كما يكون له أن يغسلها [ ص: 326 ] بعد وفاتها ، فكذلك له أن يدخلها قبرها بعد وفاتها ، فأما نحن فمذهبنا أنه لا يغسلها بعد وفاتها لانقطاع ما كان بينه وبينها في حياتها بوفاتها وهو عندنا خارج من ذلك غير داخل فيه .
[ ص: 327 ] وقد روي هذا الحديث من وجه آخر بزيادة على هذا المعنى .
2514 - كما قد حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، وكما حدثنا أبو عامر العقدي فهد بن سليمان قال : حدثنا قالا : حدثنا موسى بن داود ، عن فليح بن سليمان ، عن هلال بن علي رضي الله عنه قال : أنس بن مالك أبو طلحة : أنا . قال : فانزل فنزل في قبرها شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان فقال : هل منكم أحد لم يقارف أهله الليلة ؟ فقال .
فكان ما في هذا الحديث مما حكي فيه عن أبي طلحة يبعد من القلوب ؛ لأن أبا طلحة لم يكن من ذوي أرحامها الذين يتولون ذلك منها مع أن الذي روى هذا الحديث وهو فليح بن سليمان ليس معه من الإتقان ولا من التثبيت في الرواية ، كما مع الذي روى الحديث الأول وهو ، عن حماد بن سلمة اللهم إلا أن يكون لم يحضر قبرها حينئذ أحد من ذوي أرحامها المحرمات غير رسول الله [ ص: 328 ] صلى الله عليه وسلم ، فاحتاج إلى معونته على ذلك فكان من ثابت البناني أبي طلحة ما كان لمعونته إياه على ذلك ، وذلك له واسع كما يتسع للرجال الذين ليسوا بذوي محارم من النساء الميتات إذا لم يكن بحضرتهن ذوو أرحام منهن أن يلمسوهن من وراء الثياب مكان الغسل لهن والله نسأله التوفيق .