[ ص: 157 ] 236 - باب بيان مشكل ما روي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان منه يوم فتح مكة من أمانة الناس جميعا ، إلا الأربعة الرجال الذين سماهم ، وإلا القينتين اللتين كان سماهما معهم .
1506 - حدثنا ، قال : حدثنا أبو أمية أحمد بن المفضل الحفري ، قال : حدثنا أسباط بن نصر ، قال : زعم ، عن السدي ، عن مصعب بن سعد ، قال : { أبيه الكعبة : عكرمة بن أبي جهل ، وعبد الله بن خطل ، ومقيس بن صبابة ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح } .
فأما عبد الله بن خطل فأتي وهو متعلق بأستار الكعبة ، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر رضي الله عنهما ، فسبق سعيد عمارا وكان أشد الرجلين فقتله .
وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه .
وأما عكرمة بن أبي جهل فركب البحر فأصابهم ريح عاصف ، فقال : أصحاب السفينة لأهل السفينة أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا ، وقال [ ص: 158 ] عكرمة : والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره ، اللهم إن لك علي عهدا إن أنجيتني مما أنا فيه أني آتي محمدا صلى الله عليه وسلم ، فأضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما فنجا فأسلم .
وأما عبد الله بن أبي سرح ، فإنه اختبأ عند رضي الله عنه ، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للبيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، بايع عثمان بن عفان عبد الله ، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا ، كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه ، فقال : أما كان فيكم رجل يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله ، فقالوا : ما درينا يا رسول الله ، ما في نفسك ، فهلا أومأت إلينا بعينك ؟ فقال : إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة عين لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين ، وقال : اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار .
[ ص: 159 ] قال : ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمر في هؤلاء الأربعة الرجال المسمين بما أمر به فيهم أمرا مطلقا ، ثم خرج عن ذلك أبو جعفر عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن سعد بإسلامهما ، فحقن ذلك دماءهما ، وقتل الآخران على ما قتلا عليه من الكفر الذي ثبتا عليه ، فدل ذلك أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم كان فيهم بما أمر به فيهم مستثنى من خروجهم عن السبب الذي أمر من أجله بما أمر به فيهم إلى ضده وهو الإسلام ، فكان ذلك استثناء بالشريعة وإن لم يستثن باللسان ، فدل ذلك أن كذلك تكون أمور الأئمة بالعقوبات ، مستثنى منها ما يرفع العقوبات بالشريعة ، وإن لم يستثنوا ذلك بألسنتهم ، وبالله عز وجل التوفيق .