[ ص: 18 ] 935 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله في الصدقة في المواشي : ولا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة ، وما كان من خليطين يتراجعان بينهما بالسوية .
5817 - حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق [ قال : حدثني محمد بن عبد الله الأنصاري أبي ] ، عن ، عن ثمامة بن عبد الله أنس - رضي الله عنه - لما استخلف وجه أبا بكر الصديق إلى أنس بن مالك البحرين ... وذكر الحديث ، وقال فيها : فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فوقها فلا يعطه ، وفي كتابه ذلك : أن لا يجمع بين مفرق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين ، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية أن .
[ ص: 19 ]
5818 - وحدثنا حدثنا بكار بن قتيبة ، أبو عمر الضرير .
وحدثنا ، أخبرنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى قال : حماد بن سلمة
إلى ثابت البناني أن يوجه إليه بكتاب ثمامة بن عبد الله بن أنس - رضي الله عنه - أبي بكر لأنس بن مالك في الصدقة ، فوجه لي معي إليه ، وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني ... ، وفيه ما في حديث الذي ذكرناه قبله . إبراهيم بن مرزوق
5819 - وحدثنا ، حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا عمرو بن خالد ، حدثنا زهير بن معاوية ، عن أبو إسحاق عاصم بن ضمرة [ و] عن [ ص: 20 ] عن الحارث الأعور ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال علي زهير : أحسبه عن النبي ، وهو عن النبي - عليه السلام - ، ولكن أحسبه أحب إلي - فكان مما فيه : أن لا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة .
5820 - وحدثنا أخبرنا يونس ، ، أخبرني ابن وهب . يونس بن يزيد
عن قال : ابن شهاب آل عمر - رضي الله عنه - أقرأنيها ، فوعيتها على وجهها ، وهي التي نسخ سالم بن عبد الله بن عمر من عمر بن عبد العزيز سالم ، وعبد الله ابني عبد الله بن عمر حين مر على المدينة ، وأمر [ ص: 21 ] عماله العمل بها . هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب في الصدقة ، وهي عند
[ ص: 22 ] فكان فيها مثل الذي ذكرناه في أحاديث ، [ ص: 23 ] إبراهيم بن مرزوق وبكار بن قتيبة ، والربيع المرادي التي ذكرنا في هذا الباب .
فتأملنا ما في هذا الحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة . لنقف على المراد به إن شاء الله تعالى .
فوجدنا أهل العلم قد اختلفوا في ذلك ، وتنازعوا فيه اختلافا ، وتنازعا شديدا ، فكان أحسن ما قالوه في ذلك .
ما حكاه لنا ، عن المزني : الذي لا يشك فيه أن الشريكين اللذين لم يقسما الماشية خليطان ، وأنه قد يكون الخليطان : الرجلين يتخالطان بماشيتهما ، وإن عرف كل واحد منهما ماشيته . قال : ولا يكونان خليطين حتى يريحا ، ويسرحا ، ويحلبا ، ويسقيا معا ، وتكون فحولها مختلطة ، فإذا كان هكذا صدقا صدقة الرجل الواحد بكل واحد ، ولا يكونان خليطين حتى يحول عليهما حول من يوم اختلطا ، ويكونا مسلمين ، وإن تفرقا في مراح ، أو مسرح ، أو سقي ، أو يحول على أحدهما قبل حول الآخر ، فليسا بخليطين ، ويصدقان صدقة الاثنين . الشافعي
ومعنى قوله : لا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة . يعني : لا يفرق بين ثلاثة خلطاء في عشرين ومائة شاة ، فإنما عليهم شاة ; لأنها إذا فرقت كان فيها ثلاث شياه .
ولا يجمع بين متفرق ، وهو رجل له مائة شاة وشاة ، ورجل له مائة شاة ، فإذا تركا مفترقين ، ففيهما شاتان ، وإذا جمعا ففيهما ثلاث شياه ، فالخشية خشية الساعي أن تقل الصدقة ، وخشية رب المال أن [ ص: 24 ] تكثر الصدقة .
قال : ولم أعلم مخالفا إذا كانوا ثلاثة خلطاء ، وكانت لهم مائة وعشرون شاة أخذت منهم واحدة ، وصدقوا صدقة واحد ، فنقصوا المساكين شاتين من مال الخلطاء الثلاثة الذين لو تفرق مالهم كان فيه ثلاث شياه ، لم يجز إلا أن يقولوا : لو كان أربعون بين الثلاثة كانت عليهم شاة ; لأنهم صدقوا الخلطاء صدقة الواحد ، وبهذا يقول في الماشية كلها ، والزرع .
وكان من سواه من أهل العلم ؛ منهم ، وأصحابه . أبو حنيفة
كما حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن ، عن قال : أبي يوسف : أرأيت قوله صلى الله عليه وسلم : لا يفرق بين مجتمع ما هو ؟ قال : يكون للرجل مائة وعشرون شاة ، فيكون فيها شاة واحدة ، فإن فرقها المصدق ، فجعلها أربعين أربعين كانت فيها ثلاث شياه ، قلت: أرأيت قوله : لا يجمع بين متفرق ما هو ؟ قال : الرجلان يكون بينهما أربعون شاة ، فإن جمعها كان فيه شاة ، وإن فرقها عشرين عشرين لم يكن فيها شاة . قلت : فلو كانا شريكين متفاوضين لم يجمع بين أغنامهما ؟ قال : نعم ، لا يجمع بينهما لأبي حنيفة . قلت
ومنهم
سفيان الثوري .
كما قد حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى الهمداني ، حدثنا ، عن أبو [ ص: 25 ] النضر هاشم بن القاسم ، عن الأشجعي قال : سفيان ، فيكون في الذي ذكرنا عن ولا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، والتفريق بين المجتمع : أن يكون للرجل مائة شاة ، فيكون هاهنا ، وهاهنا ، فلا يأخذه من هذه وهذه ، ولا يجمع بين متفرق : أن يكون للرجل أربعون ، وللآخر خمسون ، فيخلطاهما جميعا ; لأن لا يؤخذ منهما شاة ، وأن يكون للرجل أربعون شاة ، وعن أبي حنيفة ما قد دل على أنهما لم يكونا يراعيان الاختلاط ، ولكنهما كانا يراعيان الأملاك على ما ذكرناه عنهما . الثوري
وفي ذلك ما قد دل أن ما قد ذكره من أنه لم يعلم مخالفا إذا كان ثلاثة خلطاء ، وكانت لهم مائة وعشرون شاة أخذت منهم واحدة ، وصدقوا صدقة الواحد قد كان فيه من المخالفين لذلك القول من ذكرناه ، وفي ثبوت ذلك ما دفع أن يكون لما احتج به لمذهبه من الذي ذكرناه في ذلك ما يوجب الحجة له فيه ، وكان الله تعالى قد ذكر الزكاة بمثل ما ذكر الصيام ، والصلاة ، والحج ، فقال عز وجل : الشافعي وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة . وقال : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " . وقال : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا . فكان ما افترض في ذلك من هذه الأشياء ، فثبوته على كل واحد من الناس بما افترضه عليه فيه ، وفي ذلك ما قد دل على أنه لا حكم للخلطة ، فإن الحكم للأملاك دون ما سواها ، وقال تعالى : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم . وكان معقولا أنه لا يطهر أحد من مال غيره ، إنما يطهر من مال نفسه .
[ ص: 26 ] فإن قال : فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم موصولا بهذا الكلام : وما كان من خليطين ، فإنهما يتراجعان بالسوية ؟
فكان جوابنا له في ذلك : أن يكون الرجلان لهما عشرون ومائة شاة لأحدهما ثلثاها ، وللآخر ثلثها ، فيحضر المصدق ، فيطالبهما بصدقتهما ، فلا يكون عليه انتظار قسمتها إياها بينهما ، فيأخذ منهما شاتين ، فيعلم أنه قد أخذ من حصة صاحب الثمانين : شاة وثلث شاة ، والذي كان عليه من الصدقة شاة واحدة من حصة صاحب الأربعين : ثلثي شاة ، والذي كان عليه من الصدقة شاة واحدة ، والباقي من حصة صاحب الثمانين ثمان وسبعون شاة ، وثلثا شاة ، والباقي من حصة صاحب الأربعين تسع وثلاثون شاة ، وثلث شاة ، ويكون ما أخذ من الحصتين جاز على مالكيها ، فيرجع صاحب الثمانين على صاحب الأربعين في غنمه بالثلث شاة الذي أخذ من غنمه ، عن الزكاة التي كانت على صاحبه حتى ترجع حصة صاحب الثمانين إلى تسع وسبعين ، وحصة صاحب الأربعين إلى تسع وثلاثين .
فأما مالك ، فإن مذهبه في ذلك
:
ما قد حدثنا ، أخبرنا يونس قال : قال ابن وهب : مالك عمر : لا يفرق بين مجتمع . أن يكون الخليطان لكل واحد منهما مائة شاة ، فإذا طلبهما المصدق ، فرقا غنمهما ، فلم يكن على واحد منهما إلا شاة واحدة ، فنهي عن ذلك قال ذلك في الخليطين إذا كان الراعي واحدا ، والفحل واحدا ، والمسرح واحدا ، والمراح واحدا ، والدلو واحدا ، فالرجلان خليطان ، فلا تجب الصدقة على الخليط حتى يكون [ ص: 27 ] لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة ، وتفسير ذلك : أنه إذا كان لأحد الخليطين أربعون شاة ، وللآخر أقل من أربعين لم يكن على الذي له أقل من أربعين شاة صدقة ، وكانت الصدقة على الذي له أربعون ، وإن كان لكل واحد منهما ألف شاة ، أو أقل من ذلك مما تجب فيه الصدقة ، وللآخر أربعون شاة ، أو أكثر ، فهما خليطان يترادان الفضل بينهما بالسوية على الألف بحصتها ، وعلى الأربعين بحصتها . تفسير قول
يعني : من الزكاة التي تجب فيها لو كانت لواحد ، وهذا مما لا إشكال فيه ؛ لأنه لا يخلو من أحد وجهين : أن تكون الخلطة لا معنى لها ، ويكون الخليطان بعدها كما كانا قبلها ، فيكون على كل واحد منهما في غنمه ما يكون عليه فيها لو لم يكن بينه وبين غيره فيها خلطة ، فيكون الأمر في ذلك كما قال ، ثم رجع إلى ما ذكره أبو حنيفة في الخليطين أنهما ، وإن عرف كل واحد منهما ماله بعد أن يكون الفحل واحدا ، والمسرح واحدا ، والسقي واحدا ، أنهما يكونان بذلك خليطين ، فكان هذا مما لا يعقله ، وكيف يكونان خليطين وكل واحد منهما بائن ماله من مال الآخر . الشافعي
فإن قال : بالخلطة في الفحول ، وفي المسرح ، وفي الأشياء التي ذكرها قيل له : وهل الزكاة في تلك الأشياء ؟ إنما الزكاة في المواشي نفسها ، وليسا بخليطين فيها ، وقد تقدمك وتقدمنا من أهل العلم من قد خالف ما ذهبت إليه .
[ ص: 28 ] كما حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن أبو عاصم النبيل ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار قال : طاووس ، فقال : ما أراه إلا حقا عطاء . إذا كان الخليطان يعرفان أموالهما ، فلا يجمع بينهما في الصدقة ، وأخبرت بذلك
فهذا ، طاووس وعطاء لم يراعيا فحلا ، ولا حلبا ، ولا سقيا ، ولا مراحا ، ولا دلوا ، ولا ما سوى ذلك مما راعيته أنت ، مما ذكرناه عنك .
فإن قال : فما رويته عن ، طاووس وعطاء يجب به إذا كانا خليطين لا يعرفان أموالهما ، جمع بينهما في الصدقة ، وفي ذلك ما قد دل على ما نقوله نحن .
قيل له : ليس في ذلك ما يدل على ما قلته أنت ; لأنه قد يحتمل أن يكون قوله : جمع بينهما في الصدقة أي جمع بينهما قبضا [ ص: 29 ] حتى يؤخذا أخذا واحدا ، ثم يتراجعان بينهما في المأخوذ منهما كما يقول مخالفك فيه ، وبالله التوفيق .