[ ص: 340 ] 646 باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ادعى قوم أنه يدل على جواز الاعتكاف بغير صوم .
4149 - حدثنا ، قال : حدثنا يزيد بن سنان حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن عبيد الله بن عمر عن نافع . ابن عمر عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام فقال : ف بنذرك أن .
قال : وليس في هذا الحديث ذكر ما كان أبو جعفر عمر نذر أن يعتكف فنظرنا في ذلك .
4150 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا [ ص: 341 ] أحمد بن شعيب حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، ثم ذكر بإسناده مثله ، إلا أنه قال : يحيى بن سعيد نذرت أن أعتكف ليلة .
4151 - حدثنا علي بن شيبة حدثنا حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي وحدثنا حفص بن غياث فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، عن حفص ، عن عبيد الله عن نافع . رضي الله عنهما ، عن ابن عمر قال عمر قلت : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية نذرا وقد جاء الله بالإسلام فقال : ف بنذرك ، ولم يذكر في هذا الحديث ما الذي كان نذره فنظرنا في ذلك .
4152 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب إسحاق بن إبراهيم أخبرنا ، ثم ذكر بإسناده مثله غير أنه قال : [ ص: 342 ] حفص إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فعاد هذا الحديث إلى أن النذر كان اعتكاف ليلة ، فذهب قوم إلى إجازة الاعتكاف بلا صيام ، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث ، فنظرنا في ذلك هل خولف يحيى وحفص على عبيد الله في هذا الحديث وفي النذر الذي كان من عمر رضي الله عنه ما كان .
4153 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : أخبرنا أحمد بن شعيب أحمد بن عبد الله بن الحكم الكردي حدثنا حدثنا محمد بن جعفر قال : سمعت شعبة ، عن عبيد الله . عن نافع ابن عمر عمر قد كان جعل عليه يوما يعتكفه في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمره أن يعتكف أن .
4154 - ووجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي ، حدثنا خلف بن هشام البزار ، عن علي بن مسهر ، عن عبيد الله . [ ص: 343 ] عن نافع ، عن ابن عمر عمر المسجد الحرام ، فلما أسلم ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أوف بنذرك ففعل أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف يوما في .
فوقفنا بذلك على اختلافهم عن عبيد الله في هذا الحديث وأن بعضهم يرويه عنه أن النذر كان ليلة ، وأن بعضهم يرويه عنه على أن النذر كان يوما ، فلم تكن إحدى الروايتين أولى من الأخرى ، ثم نظرنا هل روى هذا الحديث عن نافع غير عبيد الله لنقف على ما رواه عليه عنه كيف هو .
4155 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب محمد بن عبد الله بن يزيد ووجدنا عبد الملك بن أبي الحواري البغدادي قد حدثنا ، قال : حدثنا ، قالا : حدثنا الحميدي حدثنا سفيان هكذا في حديث أيوب السختياني عبد الملك وفي حديث أحمد ، عن ، عن أيوب السختياني . عن نافع قال : ابن عمر عمر اعتكاف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعتكف وأن يفي بنذره كان على .
[ ص: 344 ] فكان في هذا الحديث أن نذر عمر ذلك كان ليلة فنظرنا هل خولف سفيان ، عن أيوب في ذلك .
4156 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا يونس قال : أخبرني عبد الله بن وهب ، أن جرير بن حازم حدثه ، أن أيوب حدثه . أن نافعا حدثه ، عبد الله بن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عمر بن الخطاب بالجعرانة فقال : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام فكيف ترى ؟ قال : اذهب فاعتكف يوما أن .
4157 - ووجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب عن نافع . فذكر مثله . ابن عمر
فكان في روايتي جرير ومعمر ، عن أيوب هذا الحديث أن نذر عمر كان يوما لا ليلة ، وأن النبي عليه السلام أمره لنذره ذلك أن يعتكف يوما لا ما سواه ، ولما جاء هذا الحديث من روايتي عبيد الله وأيوب [ ص: 345 ] عن نافع كما ذكرنا انتفى أن يكون فيه حجة لمن يذهب إلى إجازة الاعتكاف بلا صيام على من لا يجيزه إلا بصيام ، ثم نظرنا هل روي في هذا الباب أيضا شيء مما يدل على أن النذر كان على ما لا يكون إلا بصيام ، وهو اليوم أو على ما قد يكون بغير صيام وهو الليلة .
4158 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : أخبرنا أحمد بن شعيب حدثنا أبو بكر بن علي بن سعيد الحسن بن حماد الوراق حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن عبد الله بن بديل بن ورقاء ، عن
عن عمرو بن دينار . ابن عمر عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اعتكاف عليه فأمره أن يعتكف ويصوم أن .
قال : فذكرت ذلك أبو جعفر فقال : حدثنيه لعلي بن سعيد بن بشير الرازي ، عن عثمان بن أبي شيبة عمرو بن محمد العنقزي ، عن عبد الله بن بديل ، عن ، عن عمرو بن دينار كما ذكرت . ابن عمر
4159 - ووجدنا في كتابنا ، عن ، عن إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا هارون بن عبد الله يعني الحمال [ ص: 346 ] حدثنا أبو عامر العقدي عبد الله بن بديل بن ورقاء ، ثم ذكر بإسناده مثله .
فوقفنا بذلك على أن نذر عمر رضي الله عنه الذي كان أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفي به كان مما يكون فيه الصوم وهو النهار لا مما لا يكون فيه الصوم وهو الليل ، ووجدنا في ذلك أيضا مما يؤكد أن نذر عمر كان لما قد يكون فيه الصوم ، لا لما لا يكون فيه الصوم .
ما قد حدثنا حدثني الربيع بن سليمان المرادي أخبرني عبد الله بن وهب ، عن ابن جريج . عن عطاء رضي الله عنهما ابن عباس قالا : وابن عمر ، فاستحال أن يكون لا جوار إلا بصوم قد وقف من رسول الله صلى الله عليه وسلم على إطلاقه - كان ابن عمر لعمر - اعتكاف ليلة لا صوم فيها ، ثم يقول هذا القول .
فقال قائل : فإن قد روى هذا الحديث عن عبد الله بن المبارك بما يوجب فساد إسناده . ابن جريج
وذكر ما قد حدثتا حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح حدثنا نعيم بن حماد أخبرنا ابن المبارك أنه سمع ابن جريج يقول : [ ص: 347 ] أخبرنا عطاء بعض أصحابنا . عن ابن عمر أنهما كانا يقولان : وابن عباس . لا جوار إلا بصيام ، قلت : أثبت عنهما ؟ قال : نعم
فكان جوابنا له في ذلك أنه ليس في ما ذكر ما يجب به فساد إسناد هذا الحديث ; لأن فيه إخبار عطاء أن الذي حدثه به من أصحابه عن ابن عمر وابن عباس ثبت ، وذلك مما يغني عن تسميته إياه .
ثم نظرنا فيمن روي عنه من هذا شيء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فوجدنا مالك بن يحيى الهمداني قد حدثنا ، قال : حدثنا حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت . عن عطاء قالت : عائشة . من اعتكف فعليه الصوم
فهذه تقول هذا القول وقد روي عن عائشة ما قد ذكرناه عنه ، وروي عنه أيضا فيه . ابن عباس
ما قد حدثنا حدثنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا يعقوب بن إسحاق [ ص: 348 ] الحضرمي ، عن شعبة ، عن عمرو بن دينار أبي فاختة مولى جعدة بن هبيرة قال : سمعت يقول : ابن عباس . لا اعتكاف إلا بصوم
وما قد حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري حدثنا حدثنا سعيد بن منصور ، عن هشيم ، عن عمرو بن دينار أبي فاختة .
عن رضي الله عنهما قال : ابن عباس . المعتكف عليه الصوم
وما قد حدثنا حدثنا الربيع المرادي أخبرني عبد الله بن وهب ، عن سفيان الثوري ، عن عمرو بن دينار أبي فاختة .
[ ص: 349 ] عن رضي الله عنهما قال : ابن عباس . المعتكف المجاور يصوم
وما قد حدثنا عبد الملك بن أبي الحواري حدثنا ، عن الحميدي حدثنا سفيان بن عيينة أخبرنا عمرو أبو فاختة سعيد بن علاقة قال : سمعت يقول : ابن عباس . يصوم المجاور ، والمجاور المعتكف
وما قد حدثنا عبد الملك حدثنا أخبرنا الحميدي أن سليمان بن حرب حدثه . حماد بن زيد رجلا قال يا لعمرو بن دينار أبا محمد كيف قول على المجاور الصوم ؟ قال : ليس كذا قال ابن عباس إنما قال : المجاور يصوم ابن عباس ، . أن
[ ص: 350 ] فقال قائل : فهذا يدل على أن ما روي عن في هذا إنما هو صوم المجاور على الاختيار لا على الوجوب . ابن عباس
فكان من حجتنا عليه في ذلك أن الذي ذكره ليس كما ذكره ، وكيف يكون ذلك كذلك ، والذي نحيط به علما أن أحدا لا يقع بقلبه أن الصوم مكروه في الجوار ، فيحتاج إلى أن يقال له هذا القول لينطلق له به الصوم في الجوار ، ولكنه عندنا على موافقة ما قد رواه شعبة وهشيم ، عن ، كما ذكرنا من وجوب الصوم في الاعتكاف . عمرو بن دينار
ثم وجدنا عن في ذلك . ابن عباس
ما قد حدثنا عبد الملك بن أبي الحواري ، عن ، أخبرني الدراوردي قال : اجتمعت أنا أبو سهيل بن مالك وابن شهاب عند عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، وكان على امرأتي اعتكاف ثلاث في المسجد الحرام ، فقال : لا يكون اعتكاف إلا بصوم ، فقال ابن شهاب عمر بن عبد العزيز : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، قال : أفأمر أبي بكر رضي الله عنه ؟ قال : لا ، قال : أفأمر عمر رضي الله عنه ؟ قال : لا ، قال : أفأمر عثمان رضي الله عنه ؟ قال : لا ، قال أبو سهيل : فانصرفت فوجدت طاوسا وعطاء فسألتهما عن ذلك ، فقال : طاوس لا يرى على المعتكف صياما إلا أن يجعله على نفسه ابن عباس ، قال كان : ذلك رأيي . عطاء
[ ص: 351 ] فكان في هذا الحديث ، عن أنه كان لا يرى على المعتكف صياما . وقد روينا عن ابن عباس رضي الله عنها أن من اعتكف كان عليه الصوم . عائشة
فوقفنا بذلك على أن هذا الباب مما قد تكافأت الأقوال فيه ، وما كان كذلك وجب أن يرجع فيه إلى النظر ، فيكون هو الذي يقضي بين المختلفين فيه . فنظرنا في ذلك ، فوجدنا من حجة من ذهب إلى أن الاعتكاف يكون بلا صيام ، وممن ذهب إلى ذلك ، يستدل على ما قاله من ذلك أنه قد نجد المعتكف يدخل عليه الليل الذي لا يكون فيه صائما ، ويكون فيه معتكفا ، فاستدل بذلك على جواز الاعتكاف بلا صيام . الشافعي
فوجدنا من الحجة عليه في ذلك لمخالفيه فيه - وهم وأصحابه ، أبو حنيفة ومالك وأصحابه ، والثوري وأصحابه - أنا قد وجدنا الاعتكاف لا يخرج منه بدخول الليل على المعتكف الذي لا يصلح صومه فيه ، وقد وجدنا مثل ذلك ، وهو أن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد التي يعتكف فيها ، ولا يكون في الطرقات ولا في سوى المساجد ، وقد وجدنا المعتكف يخرج من المساجد للغائط وللبول ، فيصير في المنازل والطرقات التي لا يصلح له الاعتكاف فيها ، ولا يكون بذلك خارجا عن اعتكافه ; إذ كان لا بد له من ذلك . فمثل ذلك دخول الليل عليه الذي لا صوم فيه في اعتكافه لا يكون ذلك مخرجا له من اعتكافه ، بل دخول الليل عليه فيما ذكرنا لا فعل له فيه ، فلم يخرجه من [ ص: 352 ] اعتكافه ، والخروج من المساجد إلى ما ذكرنا بفعله كان ذلك . وإذا كان بفعله مما لا يصلح فيه ابتداء الاعتكاف عليه مما ذكرنا لا يخرجه من اعتكافه ، كان دخول الليل عليه الذي لا فعل له فيه أحرى أن لا يخرجه من اعتكافه .
ثم قد وجدنا الاعتكاف إنما هو اللبث في المساجد ، فنظرنا في اللبث في الأماكن التي اللبث فيها قربة : هل يكون ذلك في تحرم من اللبث فيها ، أو يكون بلا تحرم منه في لبثه ، فوجدنا منى وعرفة ومزدلفة اللبث فيها في حرمة الحج قربة ، وهو اللبث الذي له معنى ، ووجدنا اللبث فيها في غير الحج ليس كذلك ، ولا حكم له يبين اللابث فيه عن لبثه فيما سواه من البيوت . فكان مثل ذلك اللبث في المساجد إذ كان في حرمه بان بذلك اللابث فيه عن اللابث فيما سواه من البيوت وما أشبهها ، ولا تكون حرمة يكون في ما لبثه فيها في تلك الحرمة إلا حرمة الصيام ، فكان ذلك دليلا على أن الاعتكاف لا يكون إلا بصيام .
فقال قائل : فقد روي عن يعلى بن أمية أنه كان يجلس في المسجد ساعة ويعد ذلك اعتكافا .
وذكر ما قد حدثنا فهد ، حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، حدثنا ، عن حفص بن غياث ، عن ابن جريج ، قال : عطاء
لصاحب له : اجلس نعتكف ساعة في يعلى بن أمية المسجد الحرام . قال
[ ص: 353 ]
وما قد حدثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي ، حدثنا ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، عن عيسى بن يونس ، عن ابن جريج قال : عطاء يجلس الساعة في المسجد ينوي به الاعتكاف يعلى بن أمية . كان
فكان جوابنا له في ذلك أن هذا الحديث غير متصل بيعلى ; لأن عطاء إنما يروي أحاديث يعلى عن أبيه ، ولا نعرف له سماعا من يعلى ، ومعقول أن من قعد في المسجد لا يكون معتكفا ، ولو كان ذلك كذلك ، لكان كل من في المسجد معتكفا ، ولكنه عندنا - والله أعلم - أريد به الإقبال على المسجد بالقعود فيه ، فسمى نفسه بذلك معتكفا ، وليس ذلك الاعتكاف هو الاعتكاف المختلف فيه : هل يكون بصوم أو بغير صوم ، وقد قال الله عز وجل : سواء العاكف فيه والباد فلم يكن ذلك على الاعتكاف الذي ذكرنا ، وإنما كان ذلك على تساوي الخلق فيه ، وأنه ليس بعضهم أولى به من بعض .
والله نسأله التوفيق .