[ ص: 199 ] 567 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نهيه رسله إلى الكفار في قتالهم أن ينزلوا أهل حصن من الحصون التي يحاصرونها على حكم الله عز وجل
3567 - حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني الليث بن سعد ، عن جرير بن حازم ، عن شعبة بن الحجاج ، عن علقمة بن مرثد الحضرمي ، عن ابن بريدة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيه كان فيما يأمر الرجل إذا ولاه على السرية : إن أنت حاصرت أهل حصن ، فأرادوا أن تنزلهم على حكم الله عز وجل فلا تنزلهم على حكم الله ; فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله عز وجل .
3568 - وحدثنا فهد ، قال : حدثنا . عبد الله بن صالح
[ ص: 200 ]
3569 - وحدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا ، قال كل واحد منهما : حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير ، ثم ذكر بإسناده مثله . الليث بن سعد
قال : ففي هذا الحديث نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم رسله أن ينزلوا الكفار على حكم الله ، وإعلامه إياهم بالسبب الذي منعهم من ذلك من أجله ، وهو أنهم لا يدرون أيصيبون حكم الله فيهم أم لا يصيبونه ، ولم نجد في حديث أبو جعفر جرير ، عن ، عن شعبة علقمة في هذا المعنى من هذا الحديث زيادة على ما ذكرناه عنه فيه ، وقد وجدنا في أحاديث غيره عن زيادة على ذلك . شعبة
3570 - حدثنا ، قال : أخبرني أحمد بن شعيب ، قال : حدثني أحمد بن حفص بن عبد الله ، قال : حدثني أبي ، عن إبراهيم بن طهمان . ثم ذكر بإسناده مثله ، وزاد : شعبة بن الحجاج ولكن أنزلهم على حكمك .
3571 - وكما حدثنا ، قال : أخبرنا أحمد ، قال : حدثنا محمود بن غيلان - ، قال : حدثنا عبد الصمد - يعني ابن عبد الوارث ، ثم [ ص: 201 ] ذكر بإسناده مثله ، ووافق شعبة إبراهيم على الزيادة التي زادها على جرير في حديثه .
ثم طلبنا في هذا الحديث من غير حديث هذه الزيادة ، فوجدنا غير واحد رواه عن شعبة علقمة بهذه الزيادة .
منهم . أبو حنيفة
3572 - كما حدثنا جعفر بن أحمد بن الوليد الأسلمي ، قال : أخبرنا ، قال : سمعت بشر بن الوليد ، قال : أخبرنا أبا يوسف ، عن أبو حنيفة ، عن علقمة بن مرثد ، عن ابن بريدة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وفيه الزيادة التي زيدت على أبيه جرير .
[ ص: 202 ] ومنهم سفيان بن سعيد الثوري .
3573 - كما حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى الهمداني ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ، عن الأشجعي ، عن سفيان ، عن علقمة بن مرثد الحضرمي ، عن سليمان بن بريدة الأسلمي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، وفيه ذكر تلك الزيادة . أبيه
3574 - وكما حدثنا أبو بشر عبد الملك بن مروان الرقي ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا الفريابي ، عن سفيان بن سعيد ، عن علقمة ، عن ابن بريدة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، وفيه تلك الزيادة . أبيه
قال علقمة : فحدثت به ، قال : حدثني مقاتل بن حيان مسلم بن هيصم ، عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . النعمان بن مقرن
[ ص: 203 ] قال : ولم نجد هذه الزيادة في حديث أحد من أصحاب أبو جعفر غير الثوري ، وغير الفريابي . إسحاق بن يوسف الأزرق
3575 - أخبرنا ، قال : أخبرنا أحمد بن شعيب عبد الرحمن بن محمد بن سلام ، قال : حدثنا ، عن إسحاق الأزرق ، عن سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وفيه : أبيه وإن أنت حاصرت أهل حصن ، فسألوك أن تنزلهم على حكم الله عز وجل ، فلا تنزلهم على حكم الله ، ولكن أنزلهم على حكمك ، فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أو لا .
وفيه : قال علقمة : فحدثت بهذا الحديث ، فقال : حدثني مقاتل بن حيان مسلم بن هيصم ، عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . النعمان بن مقرن
[ ص: 204 ] قال : فصارت هذه الزيادة في هذا الحديث التي ترجع إلى أبو جعفر النعمان بن مقرن ، عن ، وعن الفريابي إسحاق بن يوسف جميعا ، عن . الثوري
ومنهم إدريس الأودي .
3576 - كما حدثنا ، قال : أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا أحمد بن سليمان الرهاوي ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد إدريس الأودي ، عن ، عن علقمة ، عن سليمان بن بريدة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وفيه ذكر الزيادة التي زيدت على أبيه جرير ، عن ، وليس فيه ذكر شعبة علقمة إياه لمقاتل بن حيان إلى آخر الحديث .
ثم نظرنا في هذه الزيادة التي زادها ، الفريابي وإسحاق بن يوسف التي ترجع إلى النعمان بن مقرن : هل نجدها في حديث غير عن الثوري علقمة أم لا ؟
[ ص: 205 ]
3577 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن علي بن زيد المكي الصائغ أحمد بن عمر العلاف ، قال : حدثنا ، عن جرير - يعني ابن عبد الحميد - ، عن حمزة الزيات ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة مسلم بن هيصم العبدي ، عن ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله ، وفيه ذكر الزيادة التي زيدت على النعمان بن مقرن المزني جرير ، عن . شعبة
غير أن حمزة والثوري اختلفا في الذي يحدث بهذا الحديث عن مسلم بن هيصم ، فقال حمزة في حديثه عن علقمة ، عن ، عن سليمان بن بريدة مسلم بن هيصم ، فصار المحدث به في هذا الحديث عن مسلم بن هيصم ، هو . سليمان بن بريدة
وقال في حديثه : قال الثوري علقمة : فحدثت به مقاتل بن حيان ، ثم ذكر الحديث ، فصار الحديث عن علقمة ، عن مقاتل ، عن مسلم بن هيصم ، عن النعمان . والله أعلم بالصواب في ذلك ما هو .
قال : فتأملنا هذه الآثار فوقفنا على نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم رسله أن ينزلوا أحدا من أهل الحصون على حكم الله فيهم إن سألوهم ذلك ، وإعلامه إياهم أن نهيه إياهم عن ذلك إنما هو لأنهم لا يدرون ما حكم الله عز وجل فيهم ، ووجدنا في أكثرها إطلاقه لهم أن ينزلوهم على حكمهم ، فعقلنا بذلك أن أحكام الله عز وجل في الأشياء التي [ ص: 206 ] لم نعلمها بأنها مسطورة أنزلها في كتابه ، أو سنة مأثورة أجراها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو بإجماع من الأمة على حكم الله عز وجل في ذلك ، إذا كانوا لا يجتمعون إلا من حيث لهم أن يجمعوا على ما يجمعون عليه من ذلك ، وإذ كان الله لا يجمعهم على ضلالة إذا عدمناها ، إذ كنا لم نكلفها ، ولم نتعبد بها ; لأن الله عز وجل لم يكلفنا ما لا نطيق ، ولم يتعبدنا بما نحن عنه عاجزون أن نرجع في الحوادث التي تحدث إلى اجتهادنا فيها ، وإلى طلب ما يؤدينا إليه اجتهادنا فيها بعد أن نكون من أهل الآلات التي لأهلها الاجتهاد في طلب مثل هذا ، فإذا أدانا ذلك إلى معنى - ونحن كذلك - وسعنا العمل به ، وإن كنا لا ندري هل هو عند الله عز وجل على ما أدانا إليه اجتهادنا فيه أم لا ، وعقلنا بذلك أن المفروض علينا في ذلك هو الاجتهاد الذي قد يدرك به الصواب فيه ، وقد يقصر عنه ، لا إصابة الصواب فيه بعينه . ومثل ذلك ما قد كان في أمر سعد بن معاذ لما نزلت قريظة على حكمه فأطلق له رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم . أبو جعفر
3578 - كما حدثنا ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن محمد بن عمرو - يعني ابن علقمة بن وقاص الليثي - أبيه ، عن ، قال : قالت جده : عائشة بني قريظة ، فلما اشتد عليهم الحصار ، قالوا ننزل على حكم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 207 ] نعم ، فأرسل إلى سعد بن معاذ سعد ، قال : فلما طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : قوموا إلى سيدكم أو إلى خيركم ، قال : احكم فيهم ، قال : أحكم أن تقتل قتلتهم ، وأن تسبى ذراريهم ، وأن تقسم أموالهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد حكمت بينهم بحكم الله وبحكم رسوله أبو سعيد الخدري حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3579 - وكما حدثنا ، الربيع بن سليمان المرادي ، قال ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم الربيع : حدثنا شعيب ، وقال محمد : حدثنا أبي وشعيب ، ثم اجتمعا جميعا ، فقالا عن ، عن الليث ، عن أبي الزبير ، أنه قال : جابر ، فقطعوا أبجله ، فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار ، فانتفخت يده ، فتركه ، فنزفه الدم ، فحسمه أخرى ، فانتفخت يده ، فلما رأى ذلك ، قال : اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من سعد بن معاذ بني قريظة ، فاستمسك عرقه ، فما قطر قطرة حتى نزلوا على حكم ، فأرسل إليه ، فحكم أن تقتل [ ص: 208 ] رجالهم ، وتستحيى نساؤهم وذراريهم ليستعين بها المسلمون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصبت حكم الله فيهم ، وكانوا أربع مائة ، فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات سعد بن معاذ رمي يوم الأحزاب .
قال : أفلا ترى أن أبو جعفر سعدا قد حكم في بني قريظة بما حكم به فيهم قبل أن يعلم ما حكم الله فيهم ، فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منه ، فدل ذلك أن كذلك الأحكام في الحوادث يستعمل فيها من إليه الحكم فيها رأيه باجتهاده فيها طلب المفروض عليه فيها ، وأنه ليس عليه إصابة حقائقها ، إنما عليه الاجتهاد في ذلك ، وإن كان قد يقصر عنه ، وإذا كان ذلك واسعا في الدماء وفي الفروج ، كان في الأموال أوسع . والله نسأله التوفيق .