الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 10 ] 934 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه للأنصار هل دخل في ذلك أبناؤهم أم لا ؟

5810 - حدثنا محمد بن علي بن زيد المكي ، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثنا محمد بن فليح بن سليمان ، عن موسى بن عقبة ، حدثنا عبد الله بن الفضل ، عن أنس بن مالك قال : حزنت على من أصيب من قومي يوم الحرة ، فكتب إلي زيد بن أرقم : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار " شك [ ابن ] الفضل : " ولأبناء أبناء الأنصار .

[ ص: 11 ]

5811 - وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، أخبرنا شعبة ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار .

5812 - وحدثني القاسم بن جعفر بن محمد البصري ، حدثنا محمد بن يحيى الصنعاني ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، [ ص: 12 ] عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

5813 - وحدثنا علي بن شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أبي بكر بن أنس قال : كتب زيد بن أرقم إلى أنس بن مالك يعرفه بمن أصيب من ولده وقومه يوم الحرة ، وكتب إليه : وأبشرك ببشرى من الله : [ ص: 13 ] سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار ، ولأبناء أبناء الأنصار ، ولنساء الأنصار ، ولنساء أبناء الأنصار ، ولنساء أبناء أبناء الأنصار .

5814 - وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا مبارك بن فضالة ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار ، ولأبناء أبناء الأنصار .

[ ص: 14 ]

5815 - وحدثنا محمد بن حميد بن هشام الرعيني ، حدثنا أبو صالح الحراني ، حدثنا يوسف بن عبدة ، حدثنا ثابت ، وحميد ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله .

فقال قائل في هذه الآثار ما قد دل على أن أبناء الأبناء لم يدخلوا في الأنصار ، ولولا أن ذلك كذلك لما احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أن يقول : ولأبناء الأنصار .

فكان جوابنا له في ذلك : أنه قد يحتمل أن يكون أبناء الأنصار قد كانوا دخلوا في الأنصار الذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما دعا لهم به في هذا الحديث ، ثم وكد أمر أبنائهم ، فقال : ولأبناء الأنصار كما ذكر الله تعالى النبيين صلوات الله عليهم بقوله عز وجل : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم . ثم قال : ومنك ومن نوح . وذكر معهما من ذكر منهم ممن قد كانوا دخلوا في النبيين المذكورين قبل ذلك ، فكان مثل ذلك ما قد ذكرناه من دعائه للأنصار قد دخل في ذلك أبناؤهم ، ثم وكد ذكر أبنائهم بإعادة ذكرهم ، فقال : ولأبناء الأنصار .

[ ص: 15 ] فقال هذا القائل : وما دليلك على دخول أبناء الأنصار في دعاء النبي عليه السلام الذي كان للأنصار ، ولم يكن منهم نصرة ، وإنما كانت النصرة من آبائهم لا منهم ؟

فكان جوابنا له في ذلك : ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله عند تلمظ عبد الله بن أبي طلحة : حب الأنصار التمر .

5816 - كما حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، حدثنا حميد الطويل .

عن أنس بن مالك قال : ولدت أم سليم عبد الله بن أبي طلحة ليلا ، فكرهت أن تحنكه حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يحنكه ، فغدوت ، ومعي تمرات عجوة ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يهنأ أباعر له يمسحها ، فقلت : يا رسول الله ، ولدت أم سليم ، فكرهت أن تحنكه حتى تكون أنت تحنكه ، فقال : أمعك شيء ؟ قلت : تمرات عجوة ، فأخذ من بعض ذلك التمر فمضغه ، فجمعه بريقه ، فأوجره ، فتلمظ الصبي ، فقال : حب الأنصار التمر . قال : سمه يا رسول الله قال : هو عبد الله .

[ ص: 16 ] فكان في هذا الحديث ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي طلحة بأنه من الأنصار لأنه من أبناء الأنصار ، فدل ذلك على دخول أبناء الأنصار معهم في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان دعا به لهم .

فقال هذا القائل : فقد وجدنا المهاجرين لا يقال لأبنائهم : مهاجرون لأنهم لم يهاجروا ، وإنما كانت الهجرة لآبائهم ، فكذلك أبناء الأنصار لا يقال لهم : أنصار ; لأنهم لم يكن منهم نصرة ، وإنما كان لآبائهم دونهم .

فكان جوابنا له في ذلك : أن أبناء المهاجرين كما ذكر ; لأن إسلام آبائهم كان في دارهم ، ثم هاجروا بعد ذلك من دارهم إلى الدار التي هاجروا إليها لوقوع هذا الاسم نصا ، والأنصار لم يكونوا كذلك لأنهم إنما كانوا أتوا النبي عليه السلام إلى مكة ، فبايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأبناءهم ، وذلك على عهدهم له النصرة على أنفسهم ، ولمن بعد موته عليه ممن لم يكن حاضرا معهم تلك البيعة التي كانت بينهم له على ما بايعوه عليه من ذلك ، وكانت تلك البيعة قد دخل فيها أبناؤهم لدخولهم بأنفسهم فيها ، ولدخول من سواهم من أهل دارهم فيها كما يدخل أبناء أهل الحرب فيما يصالح إمام المسلمين إياهم على ما يصالحهم عليه مما تجري عليه أمورهم في المستأنف ، وكما يجري مثل ذلك فيمن سواهم من أهل دارهم الذين وقع ذلك الصلح عليهم معهم .

[ ص: 17 ] ومثل ذلك ما كان صلح عمر - رضي الله عنه - نصارى بني تغلب على ما كان صالحهم عليه من تضعيف الصدقة عليهم ، يدخل في ذلك من كان حضر صلحه منهم ، ومن سواهم من أمثالهم ممن لم يحضر ذلك الصلح منهم لمثلهم ، ودخل فيه أيضا من يولد منهم بعد ذلك إلى يوم القيامة ، ممن يكون على مثل ما كانوا عليه من الذين استحقوا ما صولحوا عليه ، مما لو لم يصالحوا عليه لأخذوا بغيره من الجزية التي يؤخذ بها من سواهم ، فمثل ذلك الأنصار المصالحون على النصرة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومه عليهم دارهم دخل في ذلك من كان حضره منهم ، ومن كان غائبا عنه منهم ، ومن سواهم ممن يولد بعد ذلك منهم إلى يوم القيامة ، وكانوا بذلك كآبائهم ، وكمن سوى آبائهم ممن كان عقد ذلك الصلح الذي استحق رسول الله صلى الله عليه وسلم النصرة إلى يوم القيامة ، فاستحقوا بذلك اسم النصرة كما استحقه من سواهم ممن دخل الصلح ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية