[ ص: 296 ] باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : { لا حلف في الإسلام وتمسكوا بحلف الجاهلية } .
1614 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي وابن أبي مريم جميعا ، قالا : حدثنا ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثني يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { جبير بن مطعم لا حلف في الإسلام ، وأيما حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة } .
1615 - حدثنا ، قال : أنبأنا أحمد بن شعيب عبد الرحمن بن محمد بن سلام الطرسوسي ، قال : حدثنا ، عن إسحاق الأزرق ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله . أبيه
[ ص: 297 ] فاختلف يحيى بن زكريا وإسحاق بن يوسف على في إسناد هذا الحديث على ما ذكرنا في اختلافهما فيه . والله أعلم بالصواب في ذلك غير أن الذي تميل إليه القلوب فيه ما رواه عليه زكريا بن أبي زائدة يحيى بن زكريا لثبته وحفظه وجلالة مقداره في العلم حتى لقد قال فيه : ما قد حدثنا يحيى القطان ، قال : حدثنا محمد بن علي بن داود حرب بن سريج النقال ، قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : ما بالكوفة أحد أثقل علي خلافا من يحيى بن زكريا ، وكفى برجل يقول فيه يحيى بن سعيد مثل هذا القول .
1616 - حدثنا ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، عن جرير بن عبد الحميد ، عن مغيرة أبيه ، عن شعبة بن التوأم الضبي قال : { قيس بن عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحلف ، قال : لا حلف في الإسلام ولكن تمسكوا بحلف الجاهلية سأل } .
[ ص: 298 ] فقال قائل : كيف تقبلون هذا وأنتم تروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قد حالف في الإسلام بينالمهاجرين والأنصار .
1617 - فذكر ما قد حدثناه ، قال : حدثنا المزني ، عن محمد بن إدريس الشافعي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عاصم الأحول ، قال : { أنس بن مالك المهاجرين والأنصار في دارنا ، فقيل له : أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا حلف في الإسلام ، فقال : حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين } . قال سفيان : فسرته العلماء آخى بينهم .
قال : فلم يلتفت هذا المعارض الذي ذكرنا إلى ما حكيناه له ، عن ، عن العلماء الذين حكاه عنهم ، وقال : قد جاء كتاب الله عز وجل بما يخبر أنه قد كانت محالفة في الإسلام ، وذكر قول الله عز وجل : ابن عيينة
[ ص: 299 ] ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ، فكان جوابنا له في ذلك - بتوفيق الله عز وجل وعونه - أن الذي تلاه علينا من كتاب الله كما تلاه ، ولكن الله عز وجل قد نسخه .
وذلك ، أن حدثنا ، قال : أخبرنا أحمد بن شعيب - قال : حدثنا هارون بن عبد الله - وهو الحمال ، قال : حدثني أبو أسامة إدريس بن يزيد ، قال : حدثنا ، عن طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير ابن عباس والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم . قال : كان المهاجرون حين قدموا المدينة تورث الأنصار دون رحمه للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، فلما نزلت الآية : ولكل جعلنا موالي مما ترك نسختها والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم من النصر والنصيحة والرفادة ويوصي له ، وقد ذهب الميراث في قوله عز وجل : .
[ ص: 300 ] فأخبر رضي الله عنه ، أن هذه الآية قد نسخها غيرها - يعني أنه نسخها قول الله عز وجل : ابن عباس وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، فأخبر في حديثه هذا ، أن الذي بقي لهم - يعني الأحلاف - بعد نزول هذه الآية هو النصر والنصيحة والوصية وأن الميراث قد ذهب . قال : فإذا جمع ما في هذا الحديث ، وما في حديث ابن عباس دل أنه قد كان هناك تحالف ، ووكد ذلك قول الله عز وجل : أنس بن مالك والذين عقدت أيمانكم . قال : ففي هذا ما قد خالف ما قد رويتموه أن لا حلف في الإسلام . قيل له : ما خالفه ؛ لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا حلف في الإسلام } ، إنما كان منه عند فتحه مكة .
1618 - كما حدثنا ، قال : حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي إبراهيم بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن ، عن عمرو بن شعيب ، عن جده أبيه ، قال : { عبد الله بن عمرو مكة عام الفتح قام خطيبا ، فقال : أيها الناس ، إنه ما كان من حلف في [ ص: 301 ] الجاهلية ، فإن الإسلام لم يزده إلا شدة ، ولا حلف في الإسلام لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم } .
1619 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا الوهبي ، عن ابن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله . جده
فأخبر أن هذا القول إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة والذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن عمرو المهاجرين والأنصار رضوان الله عليهم من المؤاخاة بينهم التي حالف بينهم فيها كان قبل ذلك بالمدينة ، وكان الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم فتح مكة مما ذكره ناسخا لذلك ، ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم بعد قوله : { لا حلف في الإسلام } حلف إلى أن قبضه الله صلوات الله عليه . عبد الله بن عمرو
[ ص: 302 ] فقال قائل : فقد روي عن في تأويل قول الله عز وجل : سعيد بن المسيب والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم خلاف ما رويتموه عن عبد الله بن عباس في ذلك ،
وذكر ما قد حدثنا ، قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرني عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، سعيد بن المسيب ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم .
قال : إنما نزلت هذه الآية للذين يتبنون رجالا غير آبائهم ، فيورثونهم ، فأنزل الله عز وجل فيهم أن يجعل لهم نصيب في الوصية ، وجعل الميراث للرحم والعصبة ، وأبى الله عز وجل أن يجعل للمدعين ميراثا ، ممن ادعاهم وتبناهم ، ولكن جعل لهم نصيبا في الوصية مكان ما تعاقدوا فيه من الميراث ، الذي رد الله عز وجل فيه أمرهم . ابن المسيب قال : قال الله عز وجل :
فكان جوابنا له في ذلك ، بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أن الذي رويناه عن عبد الله بن عباس في ذلك عندنا أولى بتأويل الآية ، والله أعلم .
بل في الآية ما قد دل على ما قال ، وعلى خلاف من [ ص: 303 ] خالفه ؛ لأن فيها : { : ابن عباس والذين عاقدت أيمانكم .
وقد كان التحالف فيه أيمان ، والتدعي والتبني لم يكن فيهما أيمان ، فكان ذلك معقولا به أن التأويل الذي ذكره عبد الله بن عباس في هذه الآية أولى مما ذكره غيره في تأويلها ، والله نسأله التوفيق .