[ ص: 302 ] 843 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله للملاعن بعد فراغه وبعد فراغ زوجته من اللعان : لا سبيل لك عليها
5287 - حدثنا يونس ، قالا : حدثنا وعيسى بن إبراهيم ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير : ابن عمر بني العجلان ، ثم قال : الله يعلم أن أحدكما كاذب ، لا سبيل لك عليها ، فقال : مهري الذي دفعته إليها ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن كنت صادقا عليها ، فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كاذبا عليها ، فهو أبعد لك منه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاعن بين أخوي .
فقال فيما حكى لنا الشافعي المزني عنه : في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 303 ] للملاعن : " لا سبيل لك عليها " ما قد دل أنه لا يجوز أن يتزوجها أبدا . وكانت هذه المسألة مما قد اختلف أهل العلم في الواجب فيها ، فكانت طائفة منهم تذهب إلى أنه لا يتزوجها أبدا ، وممن كان يذهب إلى ذلك منهم : مالك ، وأبو يوسف .
وكانت طائفة منهم تذهب إلى أنه لا يجوز له أن يتزوجها ما كان مقيما على قوله الذي كان منه لها ، وأنه متى ما رجع عنه ، وأكذب نفسه فحد لذلك ، جاز له أن يتزوجها ، وممن كان ذهب إلى ذلك : ، أبو حنيفة ومحمد بن الحسن .
فتأملنا ما قال في ذلك ، فوجدناه لا حجة له فيه ، إذ كان قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للملاعن : " لا سبيل لك عليها " ، إنما كان جوابا في طلبه منها المهر الذي كان دفعه إليها ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل ذلك القول الذي قاله له ، وكان هذا أولى بالحديث ، إذ كان إنما يدور على الشافعي ، وإذ كان سعيد بن جبير سعيد مذهبه في المتلاعنين .
ما قد حدثنا عبيد الله بن محمد بن سليمان المؤذن ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، عن ابن شجاع ، عن خصيف : أنه كان يقول : سعيد بن جبير . إذا لاعن الرجل امرأته ، وفرق بينهما ، ثم أكذب نفسه ، ردت إليه امرأته ما كانت في العدة
فدل ذلك أن مذهبه كان في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ذكرنا ، خلاف المذهب الذي ذهب إليه فيه ، وقد كان مذهبه أن من روى [ ص: 304 ] حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان تأويله إياه على معنى ، دليلا أن المراد به ذلك المعنى ، من ذلك : ما قد قال في حديث الشافعي في الفرقة بعد البيع أنهما بالأبدان ، واستدل بما كان ابن عمر يفعله في ذلك على مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بما فيه على ما قد ذكرنا في ذلك في الباب الذي قد ذكرناه فيه فيما قد تقدم منا في كتابنا هذا . ابن عمر
ومن ذلك ما قد جعل قول في الحديث الذي روى فيه : عمرو بن دينار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد أن ذلك في الأموال ، فجعل ذلك حجة له في قوله : إن القضاء باليمين مع الشاهد في الأموال خاصة دون ما سواها .
وقال قائل ممن يذهب في ذلك إلى أنهما لا يجتمعان أبدا - أعني المتلاعنين - : وقد روي عن سهل بن سعد حضوره من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملاعنته بين الزوجين اللذين كان لاعن بينهما ، فقال بعقب ذلك : مضت السنة أنهما لا يجتمعان أبدا ، وذكر في ذلك . الزهري
5288 - ما قد حدثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي ، قال : [ ص: 305 ] حدثنا ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، عن يعلى بن عبيد ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري سهل بن سعد الساعدي بقصة ملاعنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الزوجين اللذين لاعن بينهما .
قال : فمضت السنة أنهما إذا تلاعنا فرق بينهما ، ثم لا يجتمعان أبدا . ابن شهاب
قال : فكانت هذه السنة عنده ، هي الواجبة في المتلاعنين .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل وعونه - : أنه قد يجوز أن يكون كان ذلك في الملاعن عندما كان قائما على القذف الذي به لاعن زوجته .
وقد وجدنا عن من مذهبه في ذلك أيضا كما قد ذكرنا من هذا الاحتمال . الزهري
كما حدثنا ، قال : حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : أخبرنا نعيم بن حماد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن يونس الزهري . في المتلاعنين : لا يتراجعان أبدا ، إلا أن يكذب نفسه فيجلد الحد ، ويظهر براءتها ، [ ص: 306 ] فلا جناح عليهما أن يتراجعا
وقد تقدم في قوله هذا الزهري سعيد بن المسيب .
كما قد حدثنا ، قال : حدثنا يحيى بن عثمان عبد الرحمن بن يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد ، قال : حدثنا ، عن سفيان ، عن يحيى بن سعيد رجل ، عن : سعيد بن المسيب . أن الملاعن إذا أكذب نفسه ردت إليه امرأته
قال سفيان : فلقينا ابن أبي هند ، فحدثنا به عن . سعيد بن المسيب
قال : وكان قوله : " ردت إليه امرأته " قد يحتمل أن يكون بتزويج جديد ، وقد روي مثل قول أبو جعفر سعيد هذا أيضا عن . إبراهيم النخعي
كما قد حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال : حدثنا أبي ، عن ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة ، عن حماد ، أنه قال : إبراهيم . إن ضرب بعد ذلك - يعني الملاعن - فهو خاطب من الخطاب يتزوجها إن شاء وشاءت
[ ص: 307 ] قال هذا القائل : وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهما لا يجتمعان أبدا .
وذكر ما قد حدثنا سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن ، عن أبي يوسف ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، أنه قال : عمر بن الخطاب . لا يجتمع المتلاعنان أبدا
وما قد حدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن ، عن أبي يوسف ، عن قيس بن الربيع ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر مثله . علي
وما قد حدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن ، عن أبي يوسف ، أراه أخبرنا عن قيس ، عن عاصم ، عن أبي وائل مثله . عبد الله بن مسعود
والشك في عاصم خاصة أراه سقط من كتابي .
قال : فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل وعونه - : أنه قد يجوز أن يكون يريدون بقولهم : لا يجتمعان ، كانا على الحال التي [ ص: 308 ] فرق بينهما عليها ، كما حمل معنى أبدا على مثل ذلك ، فكان هذا القول أولى بالقياس عندنا ; لأنا قد وجدناهما في البدء للمرأة أن تطلب الزوج حتى يلاعن بينها وبينه اللعان الذي يوجب الفرقة بينهما ، ووجدنا الزوج لو أكذب نفسه فحد في ذلك ، ثم طلبت المرأة فراقه بقوله الذي كان منه لها ، لم يكن لها ذلك ، فكانت العلة التي لها يلاعن بينهما اللعان الذي يكون عنه الفرقة بينهما ، هي ثبوت الزوج على ما كان منه إلى زوجته ، وإن ذلك يزول بزوال تلك العلة ، وبإقامة الحد عليه فيما يجب إقامته عليه ، ويثبتان بعد ذلك زوجين كما كانا قبل ذلك القول ، فكان مثل ذلك في القياس إذا فرق بينهما بعد اللعان أن يكون ذلك الحكم المانع أن يجتمعا قائما بينهما ما كان مقيما على القول الذي كان يوجب اللعان في البدء حتى تكون به الفرقة ، وأن يكون إذا زال ذلك القول ، ووسعهما أن يقيما على ما كانا عليه قبل ذلك القول في البدء أن يكون بعد الفرقة أيضا كذلك ، وأن يكون المانع من الاجتماع في المستأنف هو الذي كان يوجب اللعان الذي يكون عنه ضد الاجتماع ، وأن يكون ذلك المعنى إذا زال زال ما يمنعهما من الاجتماع ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق . الزهري