[ ص: 438 ] 471 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البضع ما هو ؟
2987 - حدثنا ، قال : حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا معاوية بن عمرو الأزدي ، عن أبو إسحاق الفزاري حبيب بن أبي عمرة ، عن ، عن سعيد بن جبير قال : ابن عباس الروم على فارس ؛ لأنهم أهل كتاب ، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم ؛ لأنهم أهل أوثان ، فذكر ذلك المسلمون لأبي بكر رضي الله عنه ، فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهم سيهزمون ، فذكر ذلك أبو بكر لهم ، فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلا ، فإن ظهروا كان لك كذا وكذا ، وإن ظهرنا كان لك كذا وكذا ، فجعل بينهم أجلا خمس سنين ، فلم يظهروا ، فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ألا جعلته دون البضع ، قال : دون العشرة كان المسلمون يحبون أن تظهر .
قال : وقال : والبضع ما دون العشر ، قال : فظهرت سعيد بن جبير الروم بعد ذلك ، قال : فذلك قوله - عز وجل - : الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ، قال : فغلبت الروم ، ثم غلبت بعد ، فقال الله - عز وجل - : لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .
[ ص: 439 ] قال أبو إسحاق : قال سفيان : سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر .
قال : وفي إسناد هذا الحديث إسقاط أبو جعفر سفيان بين وبين أبي إسحاق الفزاري حبيب بن أبي عمرة ، فاحتمل أن يكون ذلك من أبي أمية ، واحتمل أن يكون مني ، غير أن ما عقب به أبو إسحاق هذا الحديث من قوله : قال سفيان : سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر ، يدل أن بين أبي إسحاق وبين حبيب في إسناده سفيان .
2988 - وحدثنا عبيد بن رجال ، ومحمد بن سنان الشيرزي قالا : حدثنا ، قال : حدثنا المسيب بن واضح ، عن [ ص: 440 ] أبو إسحاق الفزاري ، عن سفيان حبيب بن أبي عمرة ، عن ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنهما ، ثم ذكرا مثله ، فتحققنا بذلك دخول ابن عباس سفيان في إسناد هذا الحديث بين أبي إسحاق وبين حبيب بن أبي عمرة .
2989 - ووجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن يونس بن يزيد قال : أخبرني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الم غلبت الروم ، لقي أبو بكر رضي الله عنه رجالا من المشركين ، فقال لهم : إن أهل الكتاب سيغلبون على فارس ، قالوا : في كم ؟ قال : في بضع سنين ، قال : ثم خاطروا بينهم خطرا ، وذلك قبل أن يحرم القمار عليهم ، فجاء أبو بكر رضي الله عنه ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما دون العشر من البضع ، فكان ظهور فارس على الروم لسبع سنين ، ثم أظهر الله الروم على فارس زمن الحديبية ، ففرح المسلمون بظهور أهل الكتاب ، وكان ظهور المسلمين على المشركين بعد الحديبية لما نزلت .
[ ص: 441 ] قال : فكان في هذا الحديث من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو جعفر لأبي بكر رضي الله عنه ، فإن ما دون العشر من البضع ، فعقلنا بذلك أن نهاية البضع دون العشر ، واحتجنا إلى الوقوف على مقدار قليل البضع ما هو .
2990 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن علي بن زيد المكي ، قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، عن معن بن عيسى عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي ، عن ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ابن عباس الم غلبت الروم ، ناحب أبو بكر قريشا فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلا احتطت ، فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع لما نزلت : .
2991 - ووجدنا قد حدثنا ، قال : أنبأنا أحمد بن شعيب بشر بن هلال البصري ، قال محمد بن خالد ، يعني : ابن عثمة ، قال : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي ، قال : حدثنا ، عن الزهري ، عن عبيد الله رضي الله عنهما ابن عباس لأبي بكر [ ص: 442 ] في مناحبته : الم غلبت الروم : ألا احتطت يا أبا بكر ، فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال .
حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين ، عن ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عروة نيار بن مكرم ، وكانت له صحبة ، قال : الم غلبت الروم ، خرج بها أبو بكر إلى المشركين ، فقالوا : هذا كلام صاحبك ، قال : الله أنزل هذا ، قال : وكانت فارس قد غلبت على الروم ، فاتخذوهم شبه العبيد ، وكان المشركون يكرهون أن يغلب الروم على فارس ؛ لأنهم أهل جحد ، وتكذيب بالبعث ، وكان المسلمون يحبون أن يغلب الروم فارسا ؛ لأنهم أهل كتاب ، وتصديق بالبعث ، فقالوا لأبي بكر : نبايعك على أن الروم لا تغلب فارسا ، قال أبو بكر رضي الله عنه : البضع ما بين الثلاث إلى التسع ، فقالوا : الوسط من ذلك ست لا أقل ، ولا أكثر ، فوضعوا الرهان - وذلك قبل أن يحرم الرهان - فانقلب أبو بكر رضي الله عنه إلى أصحابه ، فأخبرهم الخبر ، فقالوا : بئس ما صنعت ألا أقررتها على ما قال الله - عز وجل - ، لو شاء الله أن يقول ستا لقال ، فلما كانت سنة ست لم تظهر الروم على فارس ، فأخذوا الرهان ، فلما كانت سنة سبع ظهرت الروم على فارس ، فذلك قوله عز وجل : ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله . لما نزلت :
[ ص: 443 ] قال : ففي الحديث الأول من هذين الحديثين من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم : بأن البضع ما بين الثلاث إلى التسع ، وفي الحديث الثاني منهما من كلام أبو جعفر أبي بكر رضي الله عنه : " البضع ما بين الثلاث إلى التسع " ، فعقلنا بذلك أن البضع من الثلاث لا أقل منها ، إلى التسع لا أكثر منه ، ولم نجد في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه غير ما قد رويناه في هذا الباب ، وكان ما في حديث عبيد الله بن عبد الله عن من حديثي ابن عباس محمد بن علي بن زيد ، وأحمد بن شعيب من ذكر قليل البضع قد دلنا أن المراد بما في حديث عبيد الله من حديث يحيى بن عثمان ، عن نعيم ، فإن ما دون العشر من البضع يراد به مما هو ثلاث إلى ما هو أكثر منها إلى التسع حتى تصح هذه الآثار ، ولا تضاد بعضها بعضا ، [ ص: 444 ] ثم طلبنا البضع في كلام العرب ما هو ، فوجدنا ولادا النحوي قد حدثنا ، قال : حدثنا المصادري ، عن قال : البضع ما بين الواحد إلى الأربعة ، ووجدنا أبي عبيدة معمر بن المثنى الخليل بن أحمد وغيره من أهل اللغة قد خالفوه في ذلك وقالوا : البضع من العدد ما بين الثلاث إلى العشرة ، قالوا جميعا : إن التأنيث والتذكير يدخلان في البضع ، فأما في التأنيث فمنه قوله - عز وجل - : سيغلبون في بضع سنين ، وقوله عز وجل : فلبث في السجن بضع سنين ، وأما في التذكير فمنه قولهم : بضعة أيام وبضعة دراهم .
فعقلنا بذلك أن البضع له عدد يختلف فيه التذكير والتأنيث جميعا على ما ذكرنا ، ولا يكون ذلك من العدد في أقل من ثلاثة ، وإذا وجب أن يكون ذلك كذلك عقلنا به أن أقل البضع ثلاثة لا أقل منها ، إلى تسعة لا أكثر منها ، والله عز وجل نسأله التوفيق .