[ ص: 215 ] 631 - باب بيان مشكل القضاء بين المختلفين من أهل العلم في الصلح من الأشياء المعلومة مقاديرها على الأجزاء من أجناسها المجهولة بما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .
4040 - حدثنا ، قال : حدثنا بحر بن نصر قال : أخبرني ابن وهب ، عن يونس قال : أخبرني ابن شهاب ابن كعب بن مالك .
أن أخبره جابر بن عبد الله جابر : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته فسألتهم أن يقبلوا ثمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا فلم يعطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطي ولم يكسره لهم ، ولكنه قال : سأغدو عليك فغدا علينا حين أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة فجددناها وقضيتهم حقوقهم وبقي لنا من ثمرها بقية ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر وهو جالس : اسمع يا عمر ، فقال عمر : ألا نكون علمنا ، قد علمنا أنك رسول الله فوالله إنك لرسوله أن أباه قتل يوم أحد شهيدا وعليه دين فاشتد الغرماء في حقوقهم قال .
[ ص: 216 ]
4041 - حدثنا قال : أنبأنا يونس قال : أخبرني ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب عبد الله بن كعب بن مالك .
قتل أبوه يوم أحد شهيدا وعليه دين فاشتد الغرماء في حقوقهم ، قال جابر بن عبد الله جابر : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته أن ، ثم ذكر مثله سواء .
[ ص: 217 ]
4042 - أخبرنا ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، عن أنس بن عياض ، عن هشام بن عروة . وهب بن كيسان
عن أنه أخبره جابر بن عبد الله جابر فأبى أن ينظره فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يشفع له فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له فأبى فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى فيها ، ثم قال : يا جابر جد له فأوفه الذي له ، فجده بعدما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوفى ثلاثين وسقا ، وفضلت له سبعة عشر وسقا ، فجاء جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي فعل فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر ، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جابر فأخبره أنه قد أوفى وأخبره بالفضل الذي فضل له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخبر بذلك ابن الخطاب ، فذهب جابر إلى عمر فأخبره فقال عمر : لقد علمت حيث مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليباركن الله عز وجل فيها أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود فاستنظره .
[ ص: 218 ]
4043 - حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا المقدمي سعيد بن سلمة وهو ابن أبي الحسام ، قال : حدثنا . محمد بن المنكدر
عن قال : جابر بن عبد الله كان لرجل على أبي كذا وكذا وسقا فعرضت ثمر نخلي بالذي له فأبى وعرضه عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذه بحقه فأبى ، فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم فبارك في ثمري فجددت فقضيت الرجل حقه وفضل منه مثل ثمر النخل كل عام .
4044 - حدثنا ، قال : حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أمية بن بسطام ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن روح بن القاسم . محمد بن المنكدر
عن جابر بن عبد الله عمر فدعا لنا بالبركة فيها ، فجددناها فأعطينا الرجل كل شيء كان له وبقي خرص نخلنا كما هو فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : ائت عمر فأخبره فأتيت عمر فأخبرته ، فقال : قد علمت يا رسول الله إذ دعوت لهم فيها بالبركة أنه سيبارك فيها أنه كان على أبيه أوسق من تمر فقلنا [ ص: 219 ] للرجل : خذ ثمر نخلنا بما عليه فأبى فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه .
4045 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا ، قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة عمار بن أبي عمار .
عن قال : جابر بن عبد الله أصيب أبي وله حديقتان وليهودي عليه تمر يستنفد ما في الحديقتين ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه في أن يكلمه في أن يؤخر عنا بعضه فكلمه فأبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلم إلى تمرك فجده ، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل إلى أحد الحديقتين وهي أصغرهما ، فقال لنا : جدوا فجعلنا نجد ونأتيه بالمكتل فيدعو فيه فلما فرغنا قال لليهودي اكتل فأعطاه حقه من أصغر الحديقتين وبقيت لنا الحديقة الأخرى .
قال : ففي هذه الآثار سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم غرماء أبو جعفر عبد [ ص: 220 ] الله بن حرام أن يقبلوا ثمر حائطه الذي لم يقفوا على مقدار كيله ولا على مثله الذي يقابله من دينهم الذي لهم عليه ، وأن يحللوه من بقية دينهم الذي لهم عليه بغير وقوف منهم على مقداره من دينهم الذي لهم عليه .
وهذا معنى قد اختلف أهل العلم فيه فأجاز بعضهم البراءة من الديون المعلومة ومن الديون المجهولة عند المبرئ منها ، وممن كان يقول ذلك منهم وأصحابه وهو معنى قول أبو حنيفة مالك .
وقال بعضهم : لا يجوز ذلك إلا فيما يعلم المبرئ والمبرأ ويقفان على مقداره في وقت البراءة منه ، وممن قال ذلك منهم . الشافعي
ومثل ذلك ما اختلفوا فيه من الصلح من الحقوق التي لبعض الناس على بعض على المقادير منها التي ما ينقص عنها من جنسها مما لا يعلم المتصالحان مقاديرها مما اصطلحا عليه ، فأجاز ذلك بعضهم وهم الذين ذكرنا في إجازة البراءة التي وصفنا ، ولم يجز ذلك آخرون منهم . الشافعي
وفي هذا الحديث ما قد دل على جواز ذلك في البراءات وفي الصلح جميعا إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم قد سأل غريم عبد الله بن حرام أن يأخذ ثمر ذلك الحائط بالذي له عليه مما لا يعرف مقداره ما هو ، ويحلله من بقية دينه مما لا يعرف مقداره ما هو .
وفي هذا الحديث أيضا معنى آخر يقضي بين المختلفين من أهل [ ص: 221 ] العلم في صلح الوارث غرماء أبيه المتوفى من دينهم الذي لهم عليه على بعضه ، هل يطيب لهم ذلك ويطيب لهم البقية من تركته أم لا ، فكل أهل العلم وجدناهم يجيزون ذلك غير فإنه لم يجزه ومنع الوارث منه ; لأن غرماء أبيه أولى بمال أبيه منه حتى يقبضوا ديونهم منه ويستوفوه . الأوزاعي
وفيما روينا من طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من غريم عبد الله بن حرام ما طلبه منه من الانتظار ببعض دينه في بعض ما روينا ومن ثبوت الدين على عبد الله بن حرام وانتفى حله منه حتى يقضي عنه ما قد دل على خلاف ذلك ; لأنه إذا جاز أن يؤخر الغريم بدينه إلى وقت من الأوقات حتى يكون في ثمرة حائط المتوفى ما يقضى به دينه ويسلم بقية ثمرته لوارثه ما قد دل على خلاف ما قاله مما ذكرناه عنه . الأوزاعي
وفي حديث يونس وبحر إضافة الحائط إلى وفي حديث جابر بن عبد الله إضافته إلى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عبد الله بن حرام أبي جابر ، فكان ما في حديث محمد عندنا أولى المعنيين به لما في حديث علي بن شيبة ، عن يزيد ، عن حماد ، عن عمار من تخليف عبد الله بن حرام الحديقتين اللتين قضى دينه من ثمر الصغرى منهما ، وكان قول جابر في غيره: ثمر حائطي كما يضيف الناس أسباب من هم منهم إليهم لا على الحقائق حتى تعالى ذلك إلى لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لزيد بن حارثة لما قضى بينه وبين علي وجعفر رضي الله عنهما في ابنة حمزة عليه السلام فيما قضى به بينهم فيها : وأما أنت يا زيد [ ص: 222 ] فمولاي ومولاها ، وإنما كان ولاء زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا لها ، وقد ذكرنا ذلك بإسناده فيما تقدم منا من كتابنا هذا ، والله نسأله التوفيق .