[ ص: 334 ] 403 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأويل قول الله عز وجل : هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ... إلى قوله : وما يذكر إلا أولو الألباب
2515 - حدثنا قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثني الوليد بن مسلم ، عن نافع بن عمر الجمحي قال : حدثتني ابن أبي مليكة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عائشة إلا الله والراسخون في العلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الراسخون في العلم هم الذين آمنوا بمتشابهه وعملوا بمحكمه إذا رأيتموهم فاحذروهم ، وإذا رأيتموهم فاحذروهم ، ثم نزع : ( فأما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ) ... إلى قوله عز وجل : .
[ ص: 335 ]
2516 - حدثنا عبيد بن رجال قال : حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي الحارث بن عمير ، عن ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة رضي الله عنها قالت : عائشة هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا سمعت الذين يتجادلون فيه فهم الذين عنى الله عز وجل ، أو هم الذين قال الله عز وجل قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : .
[ ص: 336 ] قال : وقد روى هذا الحديث أبو جعفر يزيد بن إبراهيم التستري ، فأدخل في إسناده بين وبين عائشة ابن أبي مليكة . القاسم بن محمد
2517 - كما حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا أبو عمر الحوضي قال : حدثنا يزيد بن إبراهيم ، عن ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد رضي الله عنها قالت : عائشة هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ... إلى آخر الآية قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم الذين يتبعون الذي تشابه منه فأولئك الذين سمى الله عز وجل فاحذروهم . تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :
2518 - وكما حدثنا قال : حدثنا [ ص: 337 ] محمد بن علي بن زيد المكي قال : حدثنا القعنبي ، عن يزيد بن إبراهيم التستري ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . عائشة
قال : فتأملنا هذا الحديث فوجدنا فيه قول الله عز وجل : هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب . فأعلمنا عز وجل أن من كتابه آيات محكمات بالتأويل ، وهي المتفق على تأويلها .
والمعقول المراد بها ، وأن منه آيات متشابهات يلتمس تأويلها من الآيات المحكمات اللاتي هن أم الكتاب ، وهي الآيات المختلفة في تأويلها ثم قال عز وجل : فأما الذين في قلوبهم زيغ . والزيغ : الجور عن الاستقامة وعن العدل وترك الإنصاف لأهلها فيتبعون ما تشابه منه ، يطلبون بذلك مثل الذي كان من الأمم الخالية فيما جاءتهم به رسلهم صلوات الله عليهم ابتغاء الفتنة ، وهي فساد ذات البين حتى يكون عنها القتل ، وما سواه مما يجلبه من البغضاء ، والشحناء ، والتفرق [ ص: 338 ] الذي تجري معه الأمور بخلاف ما أمر الله عز وجل به فيها بقوله : واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا . ومن كان كذلك خرج من الإسلام ، وصار من غيره واستحق النار .
وقد روي في تأويل هذه الآية ، عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المعاني زيادة على ما في حديث أبي أمامة الباهلي منها . عائشة
2519 - كما قد حدثنا قال : حدثنا بكار بن قتيبة عبد الله بن حمران الحمراني قال : حدثنا علي بن مسعدة الباهلي قال : حدثنا أبو غالب قال : دمشق فأتيت مسجدها فوجدت في المسجد فسلمت عليه وقعدت إليه ، ثم نهض ونهضت معه حتى انتهينا إلى باب المسجد ، فإذا رؤوس منصوبة على القناة قريب من سبعين رأسا ، فلما نظر إليها أبا أمامة أبو أمامة ، ثم وقف قال : يا سبحان الله يا سبحان الله ثلاث مرات ما يعمل الشيطان بهؤلاء ثلاثا ثم قال : شر قتلى تحت ظل السماء ثلاثا ، وخير قتلى من قتله هؤلاء وبكى فقلت له : يا أبا أمامة تقول لهم هذا القول ثم تبكي ؟ فقال : رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام فخرجوا منه ، ثم تلا هذه الآية التي في آل عمران : هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات حتى ختم الآية ، ثم قال : هم هؤلاء ثم تلا هذه الآية : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ... حتى ختم الآية .
[ ص: 339 ] ثم قال : هم هؤلاء قال : قلت : يا أبا أمامة هذا شيء تحدث به من رأيك أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : يا سبحان الله يا سبحان الله ثلاث مرات إني إذا لجريء قال : ذلك ثلاثا لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا حتى بلغ سبعا ما حدثتكموه ثم قال : من أنتم ؟ قال : قلت : من أهل العراق قال : أما إنهم عندكم كثير . قدمت
قال : فدل ما في هذا الحديث على ما ذكرنا ، ثم أخبر عز وجل في هذه الآية بعجز الخلق ، عن تأويل المتشابه الذي ذكره فيها بقوله عز وجل : أبو جعفر وما يعلم تأويله إلا الله . ثم أخبر عز وجل بما يقوله [ ص: 340 ] الراسخون في العلم في ذلك ليمتثلوه ويتمسكوا ويقتدوا بهم فيه ، وهو قوله عز وجل : والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا . فهكذا يكون أهل الحق في المتشابه من القرآن يردونه إلى عالمه وهو الله عز وجل ، ثم يلتمسون تأويله من المحكمات اللاتي هن أم الكتاب ، فإن وجدوه فيها عملوا به كما يعملون بالمحكمات ، وإن لم يجدوه فيها لتقصير علومهم عنه لم يتجاوزوا في ذلك الإيمان به ، ورد حقيقته إلى الله عز وجل ، ولم يستعملوا في ذلك الظنون التي حرم الله عليهم استعمالها في غيره ، وإذا كان استعمالها في غيره حراما كان استعمالها فيه أحرم ، ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : المراء في القرآن كفر وسنأتي بذلك فيما بعد في موضع هو أولى به من هذا الموضع في بقية كتابنا هذا إن شاء الله تعالى ، وبه التوفيق .