[ ص: 311 ] 266 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المراد بقول الله : لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ... الآية } .
1626 - حدثنا ، قال : حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، عن محمد بن إدريس الشافعي ، عن إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ابن مرجانة ، قال : ، أن لابن عباس تلا هذه الآية : ابن عمر وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله .
فبكى ، ثم قال : والله لئن آخذنا الله بها لنهلكن ، فقال : يرحم الله ابن عباس أبا عبد الرحمن قد وجد المسلمون منها حين نزلت ما وجد ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت من القول والعمل وكان حديث النفس مما لا يملكه أحد ولا يقدر عليه أحد ذكر .
[ ص: 312 ]
1627 - حدثنا ، قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرني عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب سعيد بن مرجانة ، يحدث عبد الله بن عمر بن الخطاب ، تلا هذه الآية : لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ، الآية . فقال : والله لئن آخذنا الله بهذا لنهلكن ، ثم بكى حتى سمع نشيجه ، فقال : عبد الله بن عمر ابن مرجانة : فقمت حتى أتيت ، فذكرت له ما تلا عبد الله بن عباس وما فعل حين تلاها ، فقال : ابن عمر : يغفر الله ابن عباس لأبي عبد الرحمن ، لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد ، فأنزل الله بعدها : ابن عمر لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، إلى آخر السورة .
فقال : وكانت هذه [ ص: 313 ] الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها ، فصار الأمر إلى أن قضى الله عز وجل ، أن للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القول والفعل ابن عباس بينما هو جالس مع .
قال : فكان في هذا الحديث ، عن أبو جعفر ، عن ابن شهاب سعيد بن مرجانة يحدث ، فأوقع ذلك في القلوب أن يكون لم يحدث به ، عن ابن شهاب ابن مرجانة سماعا ، فنظرنا إلى ذلك لنقف على الحقيقة فيه ، إن شاء الله .
1628 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن حماد التجيبي أبا جعفر ، قال : حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني ، عن إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب من حدثه ، عن سعيد بن مرجانة ، ثم ذكر مثل حديث يونس هذا .
قال : فوقفنا بذلك على أن أبو جعفر إنما حدث بهذا الحديث ، عن ابن شهاب ابن مرجانة بلاغا ، ولم يحدث به عنه سماعا ، فبطل بذلك هذا الحديث لبطلان إسناده .
ثم نظرنا ، هل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 314 ] في هذا السبب حديث غير هذا الحديث
1629 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن المنهال الضرير ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن روح بن القاسم ، عن العلاء بن عبد الرحمن أبيه ، عن ، قال : { أبي هريرة لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله .
الآية جثوا على الركب ، فقالوا : لا نطيق لا نستطيع ، كلفنا من العمل ما لا نطيق ولا نستطيع ، فأنزل الله عز وجل : آمن الرسول بما أنـزل إليه من ربه إلى قوله جل وعز : وإليك المصير .
فقالوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير .
فأنزل الله عز وجل : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا . قال : نعم : ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به . الآية ، قال : نعم لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية : .
قال : فكان هذا الحديث أحسن من حديث أبو جعفر وأصح إسنادا ، ثم تأملناه فوجدنا فيه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 315 ] قولهم : لا نطيق ، لا نستطيع ، كلفنا من العمل ما لا نطيق ، وما لا نستطيع . ابن شهاب
وكان ذلك منهم عندنا والله أعلم .
على أنه وقع في قلوبهم ، أن الله عز وجل أعلمهم بهذه الآية أنه يؤاخذهم بخواطر قلوبهم ، التي لا يستطيعونها ولا يملكونها من أنفسهم ، فبين لهم عز وجل فيما أنزل بعد ذلك ، فقال : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت .
أي لا يكلف الله نفسا ما لا تملكه ، وبين بذلك أنه عز وجل إنما كان أراد بقوله : وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله .
إنما هو ما يخفونه مما يستطيعون أن لا يخفوه وما يبدونه مما يستطيعون أن يخفوه ، لا الخواطر التي لا يستطيعون فيها إبداء ولا إخفاء ولا يملكونها من أنفسهم .
وقد روي عن من غير حديث ابن عباس ابن مرجانة في تأويل هذه الآية قول يخالف هذا القول .
كما قد حدثنا أبو قرة محمد بن حميد الرعيني ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، عن موسى بن أعين ، عن يزيد بن أبي زياد مقسم ، عن ، ابن عباس وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ، الآية . قال : من الشهادة . في هذه الآية :
[ ص: 316 ] قال : فكان هذا التأويل عندنا غير صحيح ، وكان التأويل الأول أولاهما بالآية ؛ لأن كتمان الشهادة مما لا يغفر ؛ لأنه حق من المشهود له . أبو جعفر
وفي الآية ما قد منع من ذلك ، وهو قوله عز وجل : فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء . والله عز وجل نسأله التوفيق .