[ ص: 359 ] 532 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبب الذي فيه نزلت : لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم
3309 - حدثنا ، يزيد بن سنان ، قالا : حدثنا وإبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عمر بن يونس ، قال : حدثنا عكرمة بن عمار ، قال : قال أبو زميل سماك الحنفي : ابن عباس أبا بكر وعمر ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟ قال أبو بكر : يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة ، أرى أن تأخذ منهم فدية ، فتكون لنا قوة على الكفار ، فعسى الله عز وجل أن يهديهم إلى الإسلام . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب ؟ قال : فقال : والله ما أرى الذي رأى عمر أبو بكر يا نبي الله ، ولكن أرى أن تمكنا منهم ، فنضرب أعناقهم ، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكني من فلان - نسيب لعمر - فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها وقادتها ، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدان يبكيان ، قلت : [ ص: 360 ] يا رسول الله ، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ، فإن وجدت بكاء بكيت لبكائكما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبكي للذي عرض علي أصحابك من الفداء ، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة : شجرة قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ، فأحل الله الغنيمة لهم لما أسروا الأسارى ، يعني في يوم بدر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا .
[ ص: 361 ] فقال قائل : ليس فيما رويتم عن في هذا الحديث أنهم أخذوا شيئا ، وإنما فيه مشورة ابن عباس أبي بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منهم الفداء لا غير .
فكان جوابنا له في ذلك : أن هذا الحديث كما ذكر ، غير أنه قد خالف فيه ابن عباس ، فأخبر أن المسلمين قد كانوا أخذوا شيئا من الغنائم قبل إنزال الله عز وجل هذه الآية . أبو هريرة
3310 - كما حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا الحسن بن الربيع ، عن أبو الأحوص ، عن الأعمش ، عن أبي صالح رضي الله عنه ، قال : أبي هريرة لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا لما كان يوم بدر تعجل الناس من المسلمين ، فأصابوا من الغنائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم ، كان النبي - يعني من كان قبله - إذا غنم هو وأصحابه ، جمعوا غنائمهم ، فتنزل نار من السماء تأكلها ، فأنزل الله : .
[ ص: 362 ]
3311 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا الحسين بن نصر ، قال : حدثنا الفريابي ، عن قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله . أبي هريرة
3312 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن أبو حذيفة ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن ذكوان رضي الله عنه ، قال : أبي هريرة لولا كتاب من الله سبق ، قال : سبق في الكتاب السابق لم تحل الغنيمة لأحد أسود الرأس قبلنا ، كانت الغنيمة تنزل النار فتأكلها ، فنزلت : .
[ ص: 363 ] فكان في هذا الحديث أن الوعيد الذي كان من الله عز وجل في هذه الآية هو لأخذهم ما أخذوا من الغنائم قبل أن تحل لهم ، لا ما سوى ذلك مما ذكر في حديث ، وهذا عندنا أشبه بالآية ؛ لأن الذي فيها هو قوله عز وجل : ابن عباس لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ، فأثبت أخذا متقدما ، فعليه كان الوعيد ، لا على ما سواه مما في حديث الذي روينا . ابن عباس
وفي هذا معنى يجب على أهل العلم الوقوف عليه والعمل به ، والحذر من الله في التقدم لأمره ؛ لأن هذا الذي كان إنما كان من أهل بدر ، أو ممن كان منهم ، وهم الذين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ما يدريك أن يكون الله عز وجل اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، فإذا جاز مع هذه الرتبة أن يلحقهم الوعيد ، كان لمن سواهم ممن هو دون رتبتهم ألحق .
وأما ما قاله أهل العلم في المراد بقوله عز وجل : لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ، فإنهم قد اختلفوا في ذلك السابق ما هو ؟ فروي فيه عن عبد الله بن عباس .
ما قد حدثنا ، إبراهيم بن أبي داود جميعا ، قالا : حدثنا وعلي بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف عبد الله بن سالم ، قال : حدثني علي بن أبي طلحة ، عن [ ص: 364 ] عن مجاهد : ابن عباس لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم .
قال : سبقت لهم من الله عز وجل الرحمة قبل أن يعملوا بالمعصية .
قال : فهذا وجه مما قد قيل في ذلك ، وقد قيل فيه وجه آخر وهو . أبو جعفر
ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ومحمد بن خزيمة ، قالا : حدثنا عثمان بن الهيثم ، قال : حدثنا ، عن عوف الحسن لولا كتاب من الله سبق ، قال : إن الله عز وجل كان مطعم هذه الأمة الغنائم ، وإنهم أخذوا الفداء من القوم يوم بدر قبل أن يؤمروا بذلك ، فتاب الله عليهم ، وعابه عليهم ، ثم أحله لهم ، وجعله غنيمة . في قوله عز وجل :
حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم ، عن روح بن عبادة ، عن عوف الحسن لولا كتاب من الله سبق الآية ، قال : إن الله عز وجل كان مطعم هذه الأمة الغنيمة ، ففعلوا الذي فعلوا [ ص: 365 ] قبل أن تحل لهم الغنيمة . في قوله عز وجل :
حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا مسدد حصين بن نمير ، قال : حدثني ، عن سفيان بن حسين ، عن الحكم مجاهد ، قال : وقال في هذه الآية ، قال : سبق أن أحل الغنائم لهذه الأمة : سبق من الله عز وجل أن لا يعذب قوما إلا بعد تقدمه [ إليهم ] ، ولم يكن تقدم إليهم فيها . الحسن
وقد قيل فيه وجه آخر ،
وهو ما قد حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا مسدد ، عن يحيى بن سعيد ، عن أشعث : الحسن لولا كتاب من الله سبق ، قال : المغفرة لأهل بدر .
وهذه التأويلات كلها محتملة لما تؤول ما تؤول عليها مما ذكرنا ، والله أعلم بمراده ، وبالله التوفيق .