[ ص: 109 ] 735 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عروة بن مضرس ، ومن لم يدرك الوقوف بجمع فلا حج له .
4688 - حدثنا ، حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثنا عبد الغفار بن داود الحراني ، عن موسى بن أعين ، عن مطرف بن طريف ، عن الشعبي عروة بن مضرس الطائي ، قال : جمعا والإمام واقف فوقف مع الإمام ، ثم أفاض مع الناس فقد أدرك الحج ، ومن لم يدرك فلا حج له أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أتعبت وأنضيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك .
قال : وهذا المعنى لمن فاته الوقوف أبو جعفر بجمع ، أنه لا حج له ، فلم نعلم أحدا جاء به في هذا الحديث ، عن غير الشعبي مطرف ، [ ص: 110 ] فأما الجماعة من أصحاب ، فلا يذكرونه فيه ، منهم الشعبي عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل بن أبي خالد .
4689 - كما قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ابن أبي السفر ، عن وإسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي عروة بن مضرس ، قال : بجمع فقلت : يا رسول الله ، هل لي من حج قد أنضيت راحلتي ، فقال : من صلى معنا هذه الصلاة وقد وقف معنا قبل ذلك ، وأفاض من عرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه أتيت النبي صلى الله عليه وسلم .
4690 - وكما قد حدثنا ، حدثنا يزيد بن سنان ، أخبرنا يزيد بن هارون ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي عروة بن مضرس ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله .
[ ص: 111 ] ومنهم زكريا بن أبي زائدة وداود بن أبي هند .
4691 - كما قد حدثنا روح بن الفرج ، حدثنا حامد بن يحيى ، حدثنا ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد الشعبي ، عن وزكريا الشعبي ، عن وداود بن أبي هند ، قال : سمعت الشعبي عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي يقول : بمزدلفة فقلت : يا رسول الله ، جئت من جبلي طيئ ، والله ما جئت حتى أتعبت نفسي وأنضيت راحلتي ، وما تركت جبلا من هذه الجبال إلا وقد وقفت عليه ، فهل لي من حج ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شهد معنا هذه الصلاة ، صلاة الفجر بالمزدلفة ، وقد كان وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه ، وقضى تفثه ، قال سفيان : وزاد زكريا فيه : وكان أحفظ الثلاثة لهذا الحديث ، قال : فقلت : يا رسول الله ، أتيت هذه الساعة من جبلي طيئ ، قد أكللت راحلتي وأتعبت نفسي فهل لي من حج ، فقال : من شهد معنا هذه الصلاة ووقف معنا حتى نفيض ، وقد كان وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه ، وقضى تفثه ، قال سفيان ، وزاد ، فقال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين برق الفجر ، ثم ذكر الحديث داود بن أبي هند أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 112 ]
4692 - وكما قد حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا ، حدثنا أبو نعيم ، عن زكريا ، قال : حدثنا عامر عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام بجمع ، فانطلق إلى عرفات ليلا ، فأفاض ثم رجع إلى جمع ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أعملت نفسي وأنضيت راحلتي فما لي من كبير من الحج ، فقال : من صلى معنا صلاة الغداة بجمع ، ووقف معنا حتى نفيض ، وقد أفاض من عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم [ ص: 113 ] حجه وقضى تفثه أنه حج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يدرك الناس إلا ليلا وهم .
ومنهم مجالد بن سعيد الهمداني .
4693 - كما قد حدثنا عمر بن العباس بن الربيع اللؤلؤي ، قال : حدثنا ، حدثنا أسد بن موسى ، عن محمد بن خازم ، عن مجالد ، عن الشعبي عروة بن مضرس ، قال : بجمع ، يعني : مزدلفة ، فقلت : يا رسول الله ، أتعبت نفسي وأنضيت راحلتي ، ولم يبق جبل من جبال عرفة إلا وقد وقفت به ، فهل لي من حج ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى معنا صلاتنا هذه ، وقد كان أتى عرفة قبل ذلك من ليل أو نهار ، فقد تم حجه ، وقضى تفثه أتيت النبي صلى الله عليه وسلم .
قال : فتأملنا هذا المعنى الذي زاده أبو جعفر مطرف ، عن على أصحاب الشعبي في هذا الحديث ، بعد وقوفنا على أن فقهاء الأمصار الذين تدور الفتيا عليهم بالحرمين وبسائر الأمصار سواهما ، لا يختلفون أن من فاته الوقوف الشعبي بجمع وقد كان وقف بعرفة قبل ذلك أنه ليس في حكم من فاته الحج ، وأنه قد أدرك الحج وقد فاته منه ما يكفيه عنه الدم ، غير طائفة منهم قليلة العدد فإنها [ ص: 114 ] زعمت أن من فاته الوقوف بجمع في حجه بعدما يطلع الفجر فقد فاته الحج ، وجعلوا فوت الوقوف بجمع قبل طلوع الفجر كفوت الوقوف بعرفة في الحج ، حتى يطلع الفجر ، ولا نعلم أحدا ممن تقدمهم روي عنه هذا القول غير علقمة بن قيس .
فوجدنا ذلك المعنى قد يحتمل ما حمله عليه أهل تلك المقالة ، وقد يحتمل غير ذلك ، ويكون الذي أريد به التغليظ والتوكيد في التخلف عن مزدلفة ، ويكون ما قيل في ذلك مما في ذلك الحديث كمثل ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قد رويناه فيما تقدم منا في كتابنا هذا من قوله : لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له ، فلم يكن ذلك منه صلى الله عليه وسلم على أن من لا أمانة له خارج من الإيمان داخل في ضده ، ولكنه في إيمان دون الإيمان الذي مع أهله الأمانة ، وكذلك قوله : ولا دين لمن لا عهد له ، لم يرد بذلك أنه لا دين له ، ولكن أراد : أنه لا دين له كالدين الذي مع من له العهد ، فمثل ذلك ما في حديث مطرف ، مما ذكرنا قد يكون قوله صلى الله عليه وسلم : ومن لم يدرك فلا حج له ، على معنى : فلا حج له كحج من أدرك تلك الصلاة معه .
ووجدنا ما قد دلنا على ذلك بالاستنباط والاستخراج ، وهو أنا قد وجدنا الوقوف بعرفة من صلب الحج ، لا يجزئ الحج إلا بإصابته ، ولا يتم إلا به ، ولم يعذر أحد في تركه بعذر ولا بغير عذر ، وكانت جمع بخلاف ذلك لأنا قد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رخص لزوجته سودة أن تفيض منها قبل أن تقف .
[ ص: 115 ]
4694 - كما حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا ، حدثنا حجاج بن منهال ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه قالت : عائشة سودة امرأة ثبطة ثقيلة ، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع قبل أن تقف ، فأذن لها ، ولوددت أني كنت استأذنته فأذن لي كانت .
ومثل ذلك : ما قد كان منه صلى الله عليه وسلم مما قد رويناه فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، مما كان منه في تقديمه ضعفة أهله من جمع بليل .
ولما كان الوقوف بجمع مما قد يرتفع بالعذر ، وكان بخلاف الوقوف بعرفة الذي لا يرتفع بعذر ولا بغيره ، عقلنا أن ما يرتفع بالعذر فليس من صلب الحج ، وأن مثل ذلك مثل الطواف ، فمنه طواف الزيارة هو [ ص: 116 ] الذي فرض لا بد للحاج منه ، ولا يرتفع فرضه عنه بعذر ولا بغيره وكان بخلاف طواف الصدر الذي قد رفع عن الحائض ، وعذرت بالحيض في تركه ، وفيما ذكرنا دليل صحيح أن الوقوف بجمع لما كان يسقط بالعذر في حال ما عن الحاج دل ذلك أنه ليس من صلب الحج ، وأنه مما قد يجزئ منه الدم كما يجزئ في ترك الطواف بين الصفا والمروة ، وبالله التوفيق .