[ ص: 245 ] 445 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضيافة من إيجابه إياها ومما سوى ذلك .
2810 - حدثنا ، قال : حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : المقداد بن عمرو مقداد احلبهن ، وجزئ اللبن لكل اثنين جزءا جئت أنا وصاحب لي قد كادت تذهب أسماعنا وأبصارنا من الجوع ، فجعلنا نتعرض للناس فلم يضفنا أحد ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : يا رسول الله بنا جوع شديد ، فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد ، فأتيناك ، فذهب بنا إلى منزله ، وعنده أربعة أعنز ، فقال : يا .
2811 - وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا ، [ ص: 246 ] قال : حدثنا حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : المقداد بن عمرو المدينة أنا وصاحب لي قدمت ، ثم ذكر مثله .
فكان هذا الحديث يدل على أن الضيافة ليست بواجبة ؛ لأنها لو كانت واجبة لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على من تخلف عنها .
فقال قائل : كيف تقبلون هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنتم تروون عنه .
2812 - فذكر ما قد حدثنا ، قال : حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود . شعبة
وذكر ما قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، بشر بن عمر ، عن ووهب بن جرير ، عن شعبة ، عن منصور ، عن الشعبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المقدام أبي كريمة ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم ، فإن أصبح بفنائه فإنه دين إن شاء اقتضاه ، وإن شاء تركه .
[ ص: 247 ]
2813 - وحدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح ، قال : حدثنا ، عن وهيب بن خالد ، فذكر بإسناده مثله . منصور
قال : ففي هذا الحديث إثباته وجوب الضيافة ، وجعله إياها دينا على من نزل به ، قال : وأنتم تروون عنه أيضا في توكيد وجوبها ما يزيد على ما في هذا الحديث .
2814 - فذكر ما قد حدثنا ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي شعيب بن الليث ، قال : حدثنا ، عن الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير قال : عقبة بن عامر قلنا : يا رسول الله ، إنك تبعثنا فنمر بقوم ، قال : إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا ، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي .
[ ص: 248 ]
2815 - وما قد حدثنا ، قال : حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أبو مسهر الغساني ، عن يحيى بن حمزة ، عن الزبيدي مروان بن رؤبة أنه حدثه ، عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي ، عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : المقدام بن معدي كرب أيما رجل أضاف قوما فلم يقروه ، كان له أن يعقبهم بمثل قراه .
2816 - وما قد حدثنا ، قال : حدثنا عمي أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن معاوية بن صالح نعيم بن زياد ، [ ص: 249 ] عن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما ، له أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه .
2817 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح أن معاوية بن صالح أبا طلحة حدثه ، عن رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله . أبي هريرة
قال : وهذا يدل أيضا على إيجابها ، وأنها تكون لأهلها دينا على من حلوا به كسائر الديون سواها .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن كل ضيف من هذين الضيفين قد يحتمل أن يكون غير الضيف الآخر منهما ، ويكون ما في حديث المقداد على ضيف قد يستطيع أن يتعوض من الضيافة غيرها بابتياع ما يغنيه عنها بما معه مما يستطيع أن يصرفه في ثمنه ، أو يسأل إن كان لا شيء معه حتى يصل بمسألته إلى ذلك ، وإن كان الأحسن بمن نزل به أن يكفيه ذلك ، وأن يمتثل في أمره ما [ ص: 250 ] قد أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من إكرامه على ما قد ذكرناه فيما قبل هذا الباب من كتابنا هذا في ذلك المعنى ، ويكون ما في حديثي أبي هريرة والمقدام على المارين بقوم في بادية لا يجدون من ضيافتهم إياهم بدلا ، ولا يجدون ما يبتاعونه مما يغنيهم عن ذلك ، فيكون الحديثان اللذان ذكرنا كل واحد منهما له وجه غير وجه الحديث الآخر .
ومما يدل على ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2818 - كما قد حدثنا ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي إسحاق بن بكر بن مضر ، قال : حدثنا ، عن أبي ، عن يزيد بن الهاد ، عن مالك بن أنس ، عن نافع رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ابن عمر لا يحتلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه ، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فيحمل طعامه ، فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحتلبن أحدكم ماشية امرئ إلا بإذنه .
[ ص: 251 ]
2819 - وكما حدثنا ، قال : أنبأنا يونس أن ابن وهب حدثه ثم ذكر بإسناده مثله . مالكا
2820 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا بكار ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، عن الثوري إسماعيل بن أمية ، عن ، عن نافع ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . ابن عمر
2821 - وكما حدثنا فهد ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود البصري ، فذكر بإسناده مثله . سفيان الثوري
2822 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، عن سليمان بن بلال ، عن سهيل عبد الرحمن بن سعد ، عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي حميد الساعدي لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه ، قال : وذلك لشدة ما حرم [ ص: 252 ] الله عز وجل على المسلم من مال المسلم .
2823 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان بن داود ، قال : حدثنا أصبغ بن الفرج ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل عبد الملك بن الحسن ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، عن عمارة بن حارثة ، عن عمرو بن يثربي قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا يحل لامرئ من مال أخيه شيء إلا بطيب نفس منه ، قال : قلت : يا رسول الله ، إن لقيت غنم ابن عمي آخذ منها شيئا ؟ فقال : إن لقيتها تحمل شفرة ، وأزنادا بخبت الجميش فلا تهجها .
[ ص: 253 ] قال : ففيما روينا إثبات تحريم مال المسلم على المسلم . أبو جعفر
فقال قائل : فقد رويتم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالف هذا .
2824 - فذكر ما قد حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن الجريري ، عن أبي نضرة رضي الله عنه قال : أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي سعيد الخدري إذا أتى أحدكم على حائط فليناد صاحبه ثلاث مرار ، فإن أجابه ، وإلا فليأكل من غير أن يفسد ، وإذا أتى على غنم فليناد راعيها ثلاث مرار ، فإن أجابه وإلا فليشرب من غير أن يفسد .
[ ص: 254 ] فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن هذا قد يحتمل أن يكون على الضرورة إلى ذلك ، بلى قد وجدناه كذلك .
2825 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا مخول بن إبراهيم ، قال : حدثنا ، عن إسرائيل عبد الله بن عصمة ، قال : [ ص: 255 ] سمعت يقول : أبا سعيد الخدري . إذا أرمل القوم فصبحوا الإبل ، فلينادوا الراعي ثلاثا ، فإن لم يجدوا الراعي ووجدوا الإبل ، فلينضحوا لبن الراوية ، وإن كان في الإبل راوية ، ولا حق لهم في نفسها ، فإن جاء الراعي فليمسكه رجلان ولا يقاتلوه وليشربوا فإن كان معهم دراهم ، فهو عليهم حرام إلا بإذن أهلها
قال : فهذا موقوف على أبي سعيد .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن الحديث الذي احتج به علينا مشكوك فيه ، هل هو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أو موقوف على أبي سعيد ؟ وقد وجدنا حديث ابن عصمة هذا مرفوعا في رواية شريك إياه .
2826 - كما حدثنا ، قال : حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن الصباح ، عن شريك بن عبد الله عبد الله بن عصم ، قال : سمعت رفعه قال : أبا سعيد الخدري لا يحل لأحد أن يحل صرار ناقة إلا بإذن أهلها ، فإنه خاتمهم عليها .
[ ص: 256 ] قال : فدل ذلك على أن ما في حديث أبو جعفر عبد الله بن عصمة الذي سمي في هذا الحديث أبوه مكان عصمة ، عصما مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه على الإرمال لا على الوجود .
وقد وجدنا عن رضي الله عنه ما يدل على المعنى الذي ذهبنا إليه في هذا الباب . سعد بن أبي وقاص
2827 - كما حدثنا ، قال : حدثنا بكار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : أخبرني أبان بن يزيد العطار ، قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير عبد الرحمن مولى سعد بن أبي وقاص ، قال : في سفر فآوانا الليل إلى قرية دهقان ، وإذا الإبل عليها أحمالها ، فقال لي سعد بن أبي وقاص سعد : إن كنت تريد أن [ ص: 257 ] تكون مسلما حقا فلا تأكل منها شيئا ، فبتنا جائعين . كنت مع
فكان هذا القول من سعد رضي الله عنه يدل على أن امتثاله من حقائق أمور الإسلام التي يجب على أهله التمسك بها ، وترك خلافها هو ما يفعله ، وأمر به مولاه مما ذكرنا ، وكان ذلك منه في قرية لا في بادية ، فكان ذلك القول منه على أحكام القرى ، وليس على أحكام ما سواها من البوادي ، والله نسأله التوفيق .