[ ص: 43 ] 868 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في لباس الرجال الخفاف في الإحرام ، أمباح ذلك لهم كما يباح في الإحلال ، أو مباح لهم في حال الإعواز من النعال بعد قطعها أسفل من الكعبين ؟
5429 - حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، أخبرنا ، عن شريك بن عبد الله عاصم بن عبيد الله ، عن ، قال : عبد الله بن عامر بن ربيعة عمر من الحداء ، فأتاه في بعض الليل ، فلما أصبح رأى عليه خفين ، قال : والخفان مع الغناء ؟ ! قال : لقد لبستهما مع من هو خير منك عبد الرحمن بن عوف سمع - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - .
[ ص: 44 ] قال : ففي هذا الحديث إخبار أبو جعفر عبد الرحمن بن عوف عمر رضي الله عنهما : أنه لبس الخفين - يعني في الإحرام - مع من هو خير منه ، يريد به رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال قائل : هذا لا حجة فيه ; لأنه لم يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد وقف على ذلك منه ، فأمضاه له ، قال : ومثل ذلك ما قد كان رفاعة بن رافع الأنصاري ذكره لعمر رضي الله عنه في الماء من الماء ، وأنهم كانوا يجامعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لا يغتسلون إذا لم ينزلوا ، وقول عمر له عند ذلك : أفذكرتم ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأقركم عليه ؟ قال : لا ، فلم ير عمر ذلك شيئا .
فكان جوابنا له في ذلك : أن الأمر في ذلك كما ذكر ، ولكنا قد وجدنا عن عبد الرحمن في ذلك ما يدل على وقوف رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ذلك منه ، وتركه النكير عليه فيه .
5430 - كما حدثنا ، حدثنا يزيد بن سنان الحسين الأشقر ، حدثنا ، عن شريك بن عبد الله عاصم بن عبيد الله ، عن ، قال : عبد الله بن عامر بن ربيعة عمر إلى مكة ورجل معنا يرتجز ، فلما أن طلع الفجر قال له : مه ، اذكر الله قد طلع الفجر ، ثم التفت فرأى على خفين وهو محرم ، فقال : وخف أيضا وأنت محرم ؟! فقال : فعلته مع من هو خير منك ، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يعبه علي عبد الرحمن بن عوف خرجت مع .
[ ص: 45 ] فهذا المعنى الذي زاده في هذا الحديث على ما في الحديث الذي ذكرناه قبله قد دل أن اللباس كان من عبد الرحمن في الإحرام ، وأن الإحرام لا يمنع الناس من مثل ذلك في إحرامهم . وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك معنى آخر .
5431 - كما قد حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار قال : أخبرنا أبي الشعثاء : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفة ، يقول : ابن عباس من لم يجد إزارا لبس سراويل ، ومن لم يجد نعلين لبس خفين . قلت : ولم يقل : " يقطعهما " ؟ قال : لا .
[ ص: 46 ]
5432 - وكما حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، سليمان بن حرب . وأبو الوليد الطيالسي
5433 - وكما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا قالوا : حدثنا حجاج بن منهال ، عن شعبة ، قال : سمعت عمرو بن دينار ، يقول : سمعت جابر بن زيد يقول : ابن عباس بعرفة يقول : من لم يجد إزارا ، لبس سراويل ، ومن لم يجد نعلين لبس خفين سمعت النبي صلى الله عليه وسلم .
5434 - وكما حدثنا علي بن شيبة ، حدثنا قال : حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين ، عن سفيان - يعني الثوري - ، عن [ ص: 47 ] عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، غير أنه لم يذكر " عرفة " . ابن عباس
5435 - وكما حدثنا ، حدثنا ابن أبي داود ، أخبرنا سعيد بن منصور ، أخبرنا هشيم ، ثم ذكر بإسناده مثله . عمرو بن دينار
5436 - وكما حدثنا ، حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا سعيد ، حماد بن زيد ، عن وسفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ، ثم ذكر مثله . ابن عباس
[ ص: 48 ]
5437 - وكما حدثنا ، حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا إبراهيم بن بشار ، عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد فذكر مثله ، غير أنه لم يذكر : وهو يخطب . ابن عباس
5438 - وكما حدثنا الحسين بن الحكم الحبري الكوفي ، حدثنا ، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي ، أخبرنا زهير بن معاوية ، عن أبو الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جابر من لم يجد نعلين فليلبس خفين ، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل . فكان في هذه الآثار إباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم لباس الخفاف للرجال في الإحرام إذا لم يجدوا النعال [ ص: 49 ] ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك معنى آخر .
5439 - كما قد حدثنا ، حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سالم : أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما يلبس المحرم ؟ فقال : لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ، ولا السراويل ولا خفين إلا أن يجد نعلين ، فإن لم يجد نعلين فليقطعهما حتى أسفل من الكعبين .
5440 - وحدثنا ، قال : أخبرنا يونس : أن ابن وهب حدثه ، عن مالكا ، عن نافع : ابن عمر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا ؟ فقال : لا تلبسوا السراويلات ، ولا العمائم ، ولا البرانس ، ولا الخفاف إلا أن يكون أحد ليست له نعلان ، فليلبس خفين أسفل من الكعبين [ ص: 50 ] .
5441 - وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا ، حدثنا حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله [ ص: 51 ] . ابن عمر
5442 - وكما حدثنا ، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى : أن ابن وهب حدثه ، عن مالكا ، عن عبد الله بن دينار ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله . ابن عمر
5443 - وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا ، حدثنا حجاج بن منهال ، عن عبد العزيز بن مسلم ، عن عبد الله بن دينار ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله . ابن عمر
5444 - وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا ، حدثنا حجاج بن منهال ، أخبرني شعبة : أنه سمع عبد الله بن دينار ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : عبد الله بن عمر من لم يجد [ ص: 52 ] نعلين فليلبس خفين وليقطعهما من عند الكعبين . قال : ففي هذه الآثار : أن من لم يجد نعلين من المحرمين من الرجال كان له أن يلبس الخفين بعد أن يقطعهما أسفل من الكعبين . فقال قائل : هذه معان متضادة ، قد رويتم كل معنى منها بالآثار التي رويتموه بها ، فهل تجدون وجها تحملونها عليه حتى ينتفي عنهما هذا التضاد ؟ فكان جوابنا له في ذلك : أن الوجه الذي وجدناه يصح عليه وهو أولى الوجوه بها عندنا - والله أعلم - أن يكون كان حكم لباس الخفاف في الإحرام للرجال مباحا عند وجود النعال وعند عدمها في الإحرام ، كما في حديث أبو جعفر الذي بدأنا بذكره في هذا الباب . ثم نسخ ذلك ، فمنعوا من لبسها في حال وجود النعال ، وأبيح لهم لبسها في حال عدم النعال ، على ما في حديثي عبد الرحمن بن عوف ابن عباس وجابر اللذين ثنينا بذكرهما في هذا الباب ، ثم نسخ ذلك ، فأبيح لبسهما في الإحرام في حال عدم النعال بعد أن تقطع أسفل من الكعبين على ما في حديث الذي ثلثنا بروايته في هذا الباب [ ص: 53 ] ، وهذا باب من الفقه قد اختلف أهله فيه بعد إجماعهم على نسخ ما في حديث ابن عمر عبد الرحمن الذي بدأنا بذكره في هذا الباب ، فقالت طائفة منهم بما في حديثي ابن عباس وجابر اللذين ثنينا بذكرهما ، وممن قال ذلك منهم : ، وقد رواه بعض الناس عن الشافعي ، وقالت طائفة منهم بما في حديث الثوري الذي ثلثنا بذكره في هذا الباب ، وممن قال ذلك منهم : ابن عمر ، أبو حنيفة وأصحابهما ، وكان وجه ذلك في النظر أنهم لما وجدوا لباس الخفاف لواجدي النعال في الإحرام ممنوعا منه ، نظر كيف حكمه عند عدم النعال ، فوجدت الأشياء الممنوع منها في الإحرام في غير أحوال الضرورات منها : لباس القميص وحلق الشعر ، وكان من اضطر إلى ذلك ، فحلق شعره من أذى ، أو لبس قميصه من أذى لم تسقط الضرورة عنه الكفارة التي كانت تكون عليه لو كانت منه تلك الأشياء في غير حال الضرورة ، فعقلوا بذلك : أن الضرورات التي توجب الإباحات للأشياء المحظورات في غير حال الضرورات ، إنما ترفع الآثام لا ما سواها ، فكان مثل ذلك أيضا الضرورة إلى لباس الخفاف إذا عدمت النعال ، وأبيح بذلك لبسها في الإحرام أن ترفع الآثام ، ولا ترفع الكفارات الواجبات فيها في غير حال الضرورات ، فهذا هو القول الذي يوجبه النظر في هذا الباب عندنا ، والله نسأله التوفيق . وفي حديث ومالك بن أنس الذي قد رويناه في هذا الباب أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولا الخفاف إلا أن يكون أحد ليست له نعلان [ ص: 54 ] فليلبس خفين أسفل من الكعبين ، كان ذلك منه قبل دخوله في الحج لأن فيه أن رجلا قال : يا رسول الله ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا . ؟ ابن عمر
5445 - كذلك حدثناه ، حدثنا يزيد بن سنان ، عن يزيد بن هارون ، عن يحيى بن سعيد عمر بن نافع ، عن ، عن أبيه : ابن عمر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا ؟ ثم ذكر الحديث .
5446 - وكذلك حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، عن ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، عبدة ، عن وعبد الله بن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع بهذه الألفاظ أيضا . ابن عمر
5447 - وكذلك حدثنا ، حدثنا أحمد بن شعيب [ ص: 55 ] ، حدثنا أبو الأشعث ، عن يزيد بن زريع ، عن أيوب ، عن نافع بهذه الألفاظ أيضا ، فكان منه صلى الله عليه وسلم جوابا له ما في حديثه هذا ، وكان ما في حديث ابن عمر الذي ذكره عنه كما ذكرناه عنه في هذا الباب كان منه بعرفة وهو يخطب الناس بها ، فاحتمل أن يكون كان ذلك منه صلى الله عليه وسلم مطلقا بلا وصف منه للخفاف بما وصفها به في حديث ابن عمر الخفاف لعلمه أنهم قد علموا بما كان منه في حديث ابن عباس الخفاف التي أطلق لبسها في الإحرام ، أي خفاف هي ؟ فغني بذلك عن وصفها لهم في خطبته عليهم بذلك بعرفة ، وكان ذلك مثل قوله عز وجل في آية الدين في وصف الشهود بالرضا في الشهادة ، بقوله : ابن عمر ممن ترضون من الشهداء ، ثم ذكر الشهداء في آي سوى هذه الآية في كتابه ، منها قوله عز وجل : لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فلم يصفهم بما وصفهم بمثله في آية الدين ، لأن الذي وصفهم به في آية الدين يغني عن ذلك ، ويعقلون به أن الشهود المذكورين في هذه الآية هم الشهود المذكورون في آية الدين ، فكان مثل ذلك الخفاف المذكورة في حديث ابن عباس المطلقة بلا وصف ، هي الخفاف الموصوفة في حديث ابن عمر بما وصف به فيه ، وغني بذلك عن وصفها في حديث ابن عباس ، وكان حديث جابر إن كان [ ص: 56 ] عن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ، كان الكلام فيه كالكلام في حديث ابن عباس ، وكان ذلك أولى ما حمل عليه ليوافق حديث ابن عمر ولا يخالفه وبالله التوفيق .