[ ص: 109 ] 231 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبب الذي فيه أنزلت : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم
1472 - حدثنا علي بن شيبة البغدادي ، قال : حدثنا ، قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، عن الربيع بن مسلم القرشي ، عن محمد بن زياد ، قال : { أبي هريرة خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن الله فرض عليكم الحج ، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ قال : لو قلت : نعم لوجبت وما استطعتم ، ثم قال : ذروني ما تركتكم ؛ فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم } .
[ ص: 110 ]
1473 - حدثنا يحيى بن عثمان وأحمد بن داود بن موسى ، قالا : حدثنا ، قال : حدثنا يوسف بن عدي الكوفي ، عن حفص بن غياث إبراهيم الهجري ، عن ، عن أبي عياض ، قال : أبي هريرة ولله على الناس حج البيت . قال رجل : يا رسول الله ، كل عام ؟ فسكت ، فعاد الرجل عليه ثلاث مرات ، كل ذلك يسكت عنه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو قلت : كل عام لوجبت ، ولو تركتموها لكفرتم ، ثم أنزل الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم لما نزلت : } .
1474 - حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود أبو زيد عبد الرحمن بن أبي الغمر ، قال : حدثنا معاوية بن يحيى أبو مطيع ، عن ، قال : حدثني صفوان بن عمرو ، قال : [ ص: 111 ] سمعت سليم بن عامر يقول : { أبا أمامة الباهلي يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . إلى آخر الآية قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ، فقال : كتب عليكم الحج ، فقام رجل من الأعراب ، فقال : في كل عام ؟ قال : فعلن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأسكت واستغضب ، فمكث طويلا ثم تكلم ، فقال : من هذا السائل ؟ فقال الأعرابي : أنا ، فقال : ويحك ، ما يؤمنك أن أقول : نعم ، والله لو قلت : نعم لوجبت ، ولو وجبت لكفرتم ، ألا إنه إنما أهلك الذين قبلكم أئمة الحرج ، والله لو أني أحللت لكم ما في الأرض من شيء ، وحرمت عليكم منها موضع خف بعير لوقعتم فيه . قال : فأنزل الله عز وجل : .
[ ص: 112 ] قال : ففيما روينا أن نزول هذه الآية كان في السبب المذكور في هذه الآثار التي رويناها فيه ، وقد روي أن سبب نزولها كان فيما سوى ذلك . أبو جعفر
1475 - كما قد حدثنا عبيد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا الفريابي ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، قال : { أبي هريرة أبو حذافة - كذا قال ، والصواب : أبوك حذافة - فقام رضي الله عنه ، فقال : رضينا بالله عز وجل ربا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماما عمر بن الخطاب وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ، يا رسول الله ، كنا حديث عهد بجاهلية وشرك ، والله أعلم من آباؤنا .
قال : فسكن [ ص: 113 ] غضبه ونزلت : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان قد احمر وجهه ، فجلس على المنبر ، فقال : لا تسألوني عن شيء إلا حدثتكم ، فقام إليه رجل ، فقال : أين أبي ؟ فقال : في النار ، فقام آخر ، فقال : يا رسول الله ، من أبي ؟ قال : أبوك } .
1476 - وكما قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو أمية ، عن روح بن عبادة ، عن سعيد ، عن قتادة ، { أنس حذافة ، ثم قام عمر - أو قال : ثم أنشأ عمر - فقال : رضينا بالله عز وجل ربا [ ص: 114 ] وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا عائذا بالله من شر الفتن - أو قال : أعوذ بالله عز وجل من شر الفتن - وقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم أر كاليوم في الخير والشر قط صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط أنهم سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم يوما حتى أحفوه بالمسألة ، فخرج ذات يوم فصعد المنبر ، فقال : لا تسألوني اليوم - أراه قال : - عن شيء إلا أنبأتكم به وأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يدي أمر قد حضر ، فجعلت لا ألتفت يمينا ، ولا شمالا إلا وجدت كل رجل لافا رأسه في ثوبه يبكي ، قال : فأنشأ رجل كان يلاحى فيدعى إلى غير أبيه ، فقال : يا نبي الله ، من أبي ؟ قال : أبوك } .
1477 - كما قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو أمية ، عن روح بن عبادة ، عن هشام بن أبي عبد الله ، عن قتادة بمثله . قال : فكان أنس قتادة يذكر هذا الحديث إذا سئل عن هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم .
قال : ففي هذه الآثار أن نزول هذه الآية كان في [ ص: 115 ] الأسباب المذكورة فيها ، فقال قائل : هذه آثار تضاد الآثار الأول ، فكيف يجوز أن يكون نزول هذه الآية كان في هذين السببين جميعا ، ولا نجدها في كتاب الله عز وجل في موضعين ، ولو كانت نزلت في كل واحد من السببين لكانت مذكورة منه في موضعين ، كما كان قوله عز وجل : أبو جعفر يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم . الآية ، مذكورا في موضعين ، إذ كانت نزلت مرتين ؛ لأنه أريد بها في كل واحد من الموضعين غير من أريد بها في الموضع الآخر منهما .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أنه قد يحتمل أن تكون هذه السؤالات المذكورات في هذين الفصلين من هذا الباب ، قد كانت قبل نزول هذه الآية ، ثم أنزل الله عز وجل بعد ذلك هذه الآية نهيا لهم ، عن هذه السؤالات ، وإعلاما لهم أنه لا حاجة لهم في الجوابات عنها بحقائق أمورها التي أريدت بها إذ كان ذلك مما إذا سمعوه ساءهم ، وإذا كان ذلك إنما يستعلمون به ما لا منفعة لهم فيه ، ومما لو جهلوه لم يضرهم ، وإنما المنفعة بالسؤالات استعلام الفرائض عليهم في دينهم ، وما يتقربون به إلى ربهم عز وجل ، فذلك العلم الذي ينفعهم ، والذي إذا جهلوه ضرهم ، فعليهم السؤال عنه حتى يعلموه .
والدليل على أنه عز وجل إنما كره منهم السؤالات عن ما لا منفعة لهم فيه ، وعن ما إذا علموه ساءهم ، لا عن ما سواه من أمور دينهم التي بهم الحاجة إلى علمها حتى يؤدوا المفروض فيها عليهم وحتى [ ص: 116 ] يتقربوا إلى ربهم عز وجل بما يقربهم إليه منها ، ما قد روي عن مما قد دل على ذلك . معاذ بن جبل
1478 - أن ، قد حدثنا قال : حدثنا يوسف بن يزيد حجاج بن إبراهيم الأزرق ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا مبارك بن سعيد الثوري سعيد بن مسروق ، عن أيوب .
قال : وهو ابن عبد الله بن مكرز ، عن أبو جعفر ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، قال : { معاذ بن جبل يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . قال : ما هو يا معاذ ؟ قلت : العمل الذي يدخل الجنة وينجي من النار ، قال : قد سألت عظيما ، وإنه ليسير شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان قلت : يا رسول الله ، إني أريد أن أسألك عن أمر ويمنعني مكان هذه الآية : } .
[ ص: 117 ] [ ص: 118 ] قال : أفلا ترى ، أن أبو جعفر معاذا لما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الآية تمنعه من سؤاله إياه عن شيء يحتاج إلى الوقوف عليه ، فلما وقف النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وعلم أنه ليس من الأشياء التي تكره معرفتها ، والمسألة عنها أجابه عنه ، فدل ذلك على أن الأشياء المنهي عن السؤال عنها بما في الآية التي تلونا ، هي الأشياء التي لا درك لهم في علمها ، ولا ثواب لهم فيها ، وأن الأشياء التي توصل إلى الثواب عليها ، وإلى الأعمال الصالحة من أجلها ليست بداخلة في المراد بهذه الآية .
وقد روي ، عن بعض المتقدمين في السبب الذي من أجله كان نزول هذه الآية خلاف هذه المعاني كلها .
وهو ما قد حدثنا ، قال : حدثنا يونس ، عن علي بن معبد - عن عبيد الله - وهو ابن عمرو ، عن عبد الكريم بن مالك عكرمة يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ، قال : هي في الرجل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أبي ؟ قال : وأما ، فقال : هي في الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحيرة والسائبة ، وأما سعيد بن جبير مقسم ، فقال : هي فيما سألت الأمم [ ص: 119 ] أنبياءهم من الآيات . قال : ومعنى ما روي في ذلك عن في هذه الآية : عكرمة قد وافق بعض ما قد تقدمت روايتنا له في هذا الباب .
وأما ما روي ، عن ، فمعناه عندنا والله أعلم من جنس المعاني التي رويناها فيما تقدم منا في هذا الباب ؛ لأن الذين كانوا يفعلون الأشياء التي كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها من تلك المعاني ، كانوا أبناء السامعين للجوابات عنها وكان بعض من يحضره سواهم أبناء لبعض الفاعلين لها المخبر بموضعهم منها . سعيد بن جبير
1479 - كما قد حدثنا ، قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدثني الليث بن سعد ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب قال : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبي هريرة رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار } ، وكان أول من سيب السيب ، قال : والسائبة التي كانت تسيب فلا يحمل [ ص: 120 ] عليها شيء ، والبحيرة التي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد ، والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى ثم تثني بأنثى ، فكانوا يسمونها للطواغيت يدعونها الوصيلة التي وصلت إحداهما بالأخرى ، والحامي فحل الإبل يضرب العشر من الإبل ، فإذا قضى ضرابه يدعونه للطواغيت وأعفوه من الحمل ، فلم يحملوا عليه شيئا وسموه الحامي . ابن المسيب
وكما سمعت يونس يقول : حدثنا ابن وهب ، عن ، قال : [ ص: 121 ] وكانوا يجعلون عليه ريش الطواويس . مالك
قال : فكان المضافة إليه هذه الأشياء التي كانوا يسألون عنها قد يكون جد السائل عنها أو يكون ممن يلحق سمعه الجوابات عنها ، فيسوؤه ذلك ، فدخل ذلك فيما نهوا عنه بهذه الآية ، والله عز وجل نسأله التوفيق . أبو جعفر