[ ص: 37 ] 728 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدليل على الواجب فيما اختلف فيه أهل العلم في حكم الحكم الذي يحكمه الرجلان بينهما ، هل يكون جائزا عليهما كما يكون حكم الحاكم عليهما به ، وحتى لا يكون للحاكم إذا رفع إليه نقضه إذا كان مما يراه بعض أهل العلم وإن كان هو يرى خلافه .
4619 - حدثنا ، حدثنا أحمد بن شعيب عمار بن خالد الواسطي ، أخبرنا ، عن القاسم بن مالك يعني : المزني ، عن الأعمش ، قال : قال زيد بن وهب : عمر إذا كان في سفر ثلاثة ، فليؤمروا أحدهم ، فذلك أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 38 ]
4620 - وحدثنا ، حدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي علي بن بحر بن بري وأبو مسلم عبد الرحمن بن يونس ، قالا : حدثنا ، قال : أخبرني حاتم بن إسماعيل ، عن محمد بن عجلان ، عن نافع مولى ابن عمر ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : أبي سعيد الخدري إذا كان ثلاثة في سفر ، فليؤمروا أحدهم ، قال نافع : فقلت لأبي سلمة : فأنت أميرنا .
قال : ففي هذين الحديثين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل الأمير الذي يؤمره الناس عليهم حيث يبعدون من أمرائهم كأمرائهم [ ص: 39 ] عليهم في وجوب السمع منهم والطاعة له ، فيما يأمرهم به أمراؤهم إذا كانوا بحضرتهم ، وإذا كان ذلك كذلك في الإمرة كان مثله في القضاء ، إذا حكم الرجلان المتنازعان في الشيء حكما بينهما فيما يتنازعان فيه ، فأمر ذلك الحكم فيما حكماه فيه كالحكم عليهما فيما يحكم به عليهما الحكم الذي جعله إمامهما الذي إليه تولية الحكام عليهما فيما يلزمهما من الحكم لهما وعليهما . أبو جعفر
وهذه مسألة قد تنازع أهل العلم فيها .
فقال طائفة منهم : ما حكم به ذلك الحكم بين اللذين حكماه ، ثم رفع إلى الحاكم الذي جعله الإمام للناس حاكما تأمل ذلك ، فإن وافق ما يراه فيه أمضاه ، وإن خالف ما يراه فيه وإن كان غيره من العلماء يراه رده .
وممن كان يذهب إلى ذلك من أهل العلم أبو حنيفة وأصحابه .
ومنهم من قال : ليس للحاكم المرفوع ذلك الحكم إليه رده ولا إبطاله ، إلا أن يكون خارجا من أقوال أهل العلم جميعا فيرده ويبطله .
وأما إذا لم يكن كذلك فليس له رده ، ولا إبطاله ، وكان عليه أن يمضيه كما يمضي حكم حاكم كان قبله من الحكام .
وممن كان يقول ذلك من أهل العلم ابن أبي ليلى ، وفقهاء المدينة ، وقد كان قال القولين جميعا . الشافعي
[ ص: 40 ] وكان أولى القولين عندنا في ذلك وأشبههما بالحق ما قاله ابن أبي ليلى وأهل المدينة فيه ، لإجماعهم ومن خالفهم على ما يوجب ذلك ، وذلك أنا رأيناهم لا يختلفون أن ذينك الرجلين لو أرادا بعد ما كان من ذلك الحكم ما كان من الحكم بينهما رد ذلك الحكم عنهما ، أو أراده أحدهما قبل أن يصير إلى الحاكم أن ذلك ليس لهما ولا لواحد منهما ، إذ كان قد لزمهما بحكم الحكم فيه بينهما بما حكم بينهما فيه ، ولما كان ذلك كذلك في لزومه إياهما قبل أن يصير إلى الحاكم ثم صار إلى الحاكم وهو لازم لهما ، وكان سبيل الحكام فيما يتناهى إليهم مما قد لزم قبل ذلك شده لا إبطاله ، وجب عليه بذلك شد ما كان من ذلك الحكم بين ذينك الرجلين وإمضاؤه بينهما كما يمضي حكم حاكم حكم بينهما من حكام الأئمة الذين يولونهم الأحكام بين الناس ، والله الموفق .