[ ص: 569 ] ذكر جاولي والفرنج الحرب بين
وفي هذه السنة ، في صفر ، كان المصاف بين جاولي سقاوو وبين طنكري الفرنجي ، صاحب أنطاكية .
وسبب ذلك أن الملك رضوان كتب إلى طنكري ، صاحب أنطاكية ، يعرفه ما هو جاولي عليه من الغدر ، والمكر ، والخداع ، ويحذره منه ، ويعلمه أنه على قصد حلب ، وأنه إن ملكها لا يبقى للفرنج معه بالشام مقام ، وطلب منه النصرة والاتفاق على منعه .
فأجابه طنكري إلى منعه وبرز من أنطاكية ، فأرسل إليه رضوان ستمائة فارس ، فلما سمع جاولي الخبر أرسل إلى القمص ، صاحب الرها ، يستدعيه إلى مساعدته ، وأطلق له ما بقي عليه من مال المفاداة ، فسار إلى جاولي فلحق به ، وهو على منبج ، فوصل الخبر إليه ، وهو على هذه الحال ، بأن الموصل قد استولى عليها السلطان ، وملكوا خزائنه وأمواله ، فاشتد ذلك عليه ، وفارقه كثير من أصحابه منهم ، أتابك زنكي بن آقسنقر وبكتاش النهاوندي ، وبقي جاولي في ألف فارس ، وانضم إليه خلق من المطوعة ، فنزل بتل باشر .
وقاربهم طنكري ، وهو في ألف وخمسمائة فارس من الفرنج ، وستمائة من أصحاب الملك رضوان ، سوى الرجالة ، فجعل جاولي في ميمنته الأمير أقسيان ، والأمير ألتونتاش الأبري ، وغيرهما ، وفي الميسرة الأمير بدران بن صدقة ، وأصبهبذ صباوة ، وسنقر دراز ، وفي القلب القمص بغدوين ، وجوسلين الفرنجيين ، ووقعت الحرب ، فحمل أصحاب أنطاكية على القمص ، صاحب الرها ، واشتد القتال ، فأزاح طنكري القلب عن موضعه ، وحملت ميسرة جاولي على رجالة صاحب أنطاكية ، فقتلت منهم خلقا كثيرا ، ولم يبق غير هزيمة صاحب أنطاكية ، فحينئذ عمد أصحاب جاولي إلى جنائب القمص ، وجوسلين ، وغيرهما من الفرنج ، فركبوها وانهزموا ، فمضى جاولي وراءهم ليردهم ، فلم يرجعوا ، وكانت طاعته قد زالت عنهم حين أخذت الموصل منه ، فلما رأى أنهم لا يعودون معه أهمته نفسه ، وخاف من المقام ، فانهزم ، وانهزم باقي عسكره .
[ ص: 570 ] فأما أصبهبذ صباوة فسار نحو الشام ، وأما بدران بن صدقة فسار إلى قلعة جعبر ، وأما ابن جكرمش فقصد جزيرة ابن عمر ، وأما جاولي فقصد الرحبة ، وقتل من المسلمين خلق كثير ، ونهب صاحب أنطاكية أموالهم وأثقالهم ، وعظم البلاء عليهم من الفرنج ، وهرب القمص وجوسلين إلى تل باشر والتجأ خلق كثير من المسلمين ، ففعلا معهم الجميل ، وداويا الجرحى وكسوا العراة ، وسيراهم إلى بلادهم .