[ ص: 350 ] 565
ثم دخلت سنة خمس وستين وخمسمائة
ذكر الفرنج دمياط حصر
في هذه السنة ، في صفر ، نزل الفرنج على مدينة دمياط من الديار المصرية ، وحصروها ، وكان الفرنج بالشام ، لما ملك أسد الدين شيركوه مصر ، قد خافوه ، وأيقنوا بالهلاك ، وكاتبوا الفرنج الذين بصقلية والأندلس وغيرهما يستمدونهم ويعرفونهم ما تجدد من ملك الأتراك مصر ، وأنهم خائفون على البيت المقدس منهم ، فأرسلوا جماعة من القسوس والرهبان يحرضونهم على الحركة ، فأمدوهم بالأموال والرجال والسلاح ، واتعدوا للنزول على دمياط ظنا منهم أنهم يملكونها ، ويتخذونها ظهرا يملكون به الديار المصرية ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا فإلى أن دخلوا كان أسد الدين قد مات وملك صلاح الدين ، فاجتمعوا عليها ، وحصروها ، وضيقوا على من بها .
فأرسل إليها صلاح الدين العساكر في النيل وحشر فيها كل من عنده ، وأمدهم بالأموال والسلاح والذخائر ، وأرسل إلى نور الدين يشكو ما هم فيه من المخافة ، ويقول : إني إن تأخرت عن دمياط ملكها الفرنج ، وإن سرت إليها خلفني المصريون في أهلها وأموالها بالشر ، وخرجوا عن طاعتي ، وساروا في أثري ، والفرنج من أمامي ، فلا يبقى لنا باقية .
فسير نور الدين العساكر إليه أرسالا يتلو بعضها بعضا ، ثم سار هو بنفسه إلى بلاد الفرنج الشامية ، فنهبها ، وأغار عليها واستباحها ، فوصلت الغارات إلى ما لم تكن تبلغه قبل لخلو البلاد من مانع .
[ ص: 351 ] فلما رأى الفرنج تتابع العساكر إلى مصر ، ودخول نور الدين إلى بلادهم ونهبها وتخريبها ، رجعوا خائبين لم يظفروا بشيء ، ووجدوا بلادهم خرابا ، وأهلها بين قتيل وأسير ، فكانوا موضع المثل : خرجت النعامة تطلب قرنين رجعت بلا أذنين .
وكانت مدة مقامهم على دمياط خمسين يوما أخرج فيها صلاح الدين أموالا لا تحصى ، حكي لي أنه قال : ما رأيت أكرم من العاضد ، أرسل إلي مدة لمقام الفرنج على دمياط ألف ألف دينار مصرية سوى الثياب وغيرها .