ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وخمسمائة
ذكر صلاح الدين إلى الشام وإغارته على الفرنج مسير
في هذه السنة ، خامس المحرم ، سار صلاح الدين عن مصر إلى الشام ، ومن عجيب ما يحكى من التطير أنه لما برز من القاهرة أقام بخيمته حتى تجتمع العساكر والناس عنده ، وأعيان دولته والعلماء وأرباب الآداب ، فمن بين مودع له وسائر معه ، وكل منهم يقول شيئا في الوداع والفراق ، وما هم بصدده من السفر ، وفي الحاضرين معلم لبعض أولاده ، فأخرج رأسه من بين الحاضرين وأنشد :
تمتع من شميم عرار نجد فما بعد العشية من عرار
فانقبض صلاح الدين بعد انبساطه وتطير ، وتنكد المجلس على الحاضرين ، فلم يعد إليها إلى أن مات مع طول المدة .
ثم سار عن مصر وتبعه من التجار وأهل البلاد ، ومن كان قصد مصر من الشام بسبب الغلاء بالشام وغيره ، عالم كثير ، فلما سار جعل طريقه على أيلة فسمع أن الفرنج قد جمعوا له ليحاربوه ويصدوه عن المسير ، فلما قارب بلادهم في العساكر المقاتلة لا غير ، فشن الغارات بأطراف بلادهم ، وأكثر ذلك ببلد الكرك والشوبك ، فلم يخرج إليه منهم أحد ، ولا أقدم على الدنو منه ، ثم سار فأتى دمشق ، فوصلها حادي عشر صفر من السنة .