ثم دخلت سنة تسع وخمسين وأربعمائة .
ذكر كرمان على ألب أرسلان وعوده إلى طاعته . عصيان ملك
في هذه السنة عصى ملك كرمان وهو قرا أرسلان على السلطان ألب أرسلان ، وسبب ذلك أنه كان له وزير جاهل سولت له نفسه الاستبداد بالبلاد عن السلطان ، وأن صاحبه إذا عصى ، احتاج إلى التمسك به ، فحسن لصاحبه الخلاف على السلطان فأجاب إلى ذلك ، وخلع الطاعة ، وقطع الخطبة . فسمعألب أرسلان ، فسار إلى كرمان ، فلما قاربها وقعت طليعته على طليعة قرا أرسلان بعد قتال ، فلما سمع قرا أرسلان وعسكره بانهزام طليعتهم ، خافوا وتحيروا ، فانهزموا لا يلوي أحد على آخر ، فدخل قرا أرسلان إلى جيرفت وامتنع بها ، وأرسل إلى السلطان ألب أرسلان يظهر الطاعة ويسأل العفو عن زلته ، فعفا عنه ، وحضر عند السلطان فأكرمه ، وبكى وأبكى من عنده ، فأعاده إلى مملكته ، ولم يغير عليه شيئا من حاله ، فقال للسلطان : إن لي بنات تجهيزهن إليك ، وأمورهن إليك ، فأجابه إلى ذلك ، وأعطى كل واحدة منهن مائة ألف دينار سوى الثياب والإقطاعات .
ثم سار منها إلى فارس فوصل إلى إصطخر ، وفتح قلعتها ، واستنزل واليها ، [ ص: 211 ] فحمل إليه الوالي هدايا عظيمة جليلة المقدار ، من جملتها قدح فيروزج ، فيه منوان من المسك ، مكتوب عليه اسم جمشيد الملك ، وأطاعه جميع حصون فارس ، وبقي قلعته يقال لها بهنزاد ، فسار نظام الملك إليها ، وحصرها تحت جبلها ، وأعطى كل من رمى بسهم وأصاب قبضة من الدنانير ، ومن رمى حجرا ثوبا نفيسا ، ففتح القلعة في اليوم السادس عشر من نزوله ، ووصل السلطان إليه بعد الفتح ، فعظم محل نظام الملك عنده ، فأعلى منزلته ، وزاد في تحكيمه .
ذكر عدة حوادث .
في المحرم منها توفي الأغر أبو سعد ، ضامن البصرة ، على باب السلطان بالري ، وعقدت البصرة وواسط على هزارسب بثلاثمائة ألف دينار .
وفي صفر منها وصل إلى بغداذ شرف الملك أبو سعد المستوفي ، وبنى على مشهد أبي حنيفة ، رضي الله عنه ، مدرسة لأصحابه ، وكتب الشريف أبو جعفر بن البياضي على القبة التي أحدثها :
ألم تر أن العلم كان مشتتا فجمعه هذا المغيب في اللحد كذلك كانت هذه الأرض ميتة
، فأنشرها فضل العميد أبي سعد
وفيها ، في جمادى الأولى ، وصلت أرسلان خاتون ، أخت السلطان ألب أرسلان ، وهي زوجة الخليفة ، إلى بغداذ ، واستقبلها فخر الدولة بن جهير الوزير على فراسخ .
[ ص: 212 ] وفيها ، في ذي القعدة ، احترقت تربة ، رحمة الله عليه ، وسبب حريقها أن قيمها كان مريضا ، فطبخ لنفسه ماء الشعير ، فاتصلت النار بخشب وبواري كانت هناك ، فأحرقته واتصل الحريق ، فأمر الخليفة معروف الكرخي أبا سعد الصوفي ، شيخ الشيوخ ، بعمارتها .
وفيها ، في ذي القعدة ، فرغت عمارة المدرسة النظامية ، وتقرر التدريس بها للشيخ ، فلما اجتمع الناس لحضور الدرس ، وانتظروا مجيئه ، تأخر ، فطلب ، فلم يوجد . أبي إسحاق الشيرازي
وكان سبب تأخره أنه لقيه صبي ، فقال له : كيف تدرس في مكان مغصوب ؟ فتغيرت نيته عن التدريس بها ، فلما ارتفع النهار ، وأيس من حضوره ، أشار الشيخ أبو منصور بن يوسف بأبي نصر الصباغ ، صاحب كتاب الشامل ، وقال : لا يجوز أن ينفصل هذا الجمع إلا عن مدرس ، ولم يبق ببغداذ من لم يحضر غير الوزير ، فجلس أبو نصر للدرس ، وظهر الشيخ أبو إسحاق بعد ذلك ، ولما بلغ نظام الملك الخبر أقام القيامة على العميد أبي سعد ، ولم يزل يرفق بالشيخ أبي إسحاق حتى درس بالمدرسة ، وكانت مدة تدريس ابن الصباغ عشرين يوما . وفيها ، في ذي القعدة ، قتل الصليحي ، أمير اليمن ، بمدينة المهجم ، قتله أحد أمرائها وأقيمت الدعوة العباسية هناك ، وكان قد ملك مكة ، على ما ذكرناه سنة خمس وأربعمائة ، وأمن الحجاج في أيامه ، فأثنوا عليه خيرا ، وكسا البيت بالحرير الأبيض الصيني ، ورد حلي البيت إليه ، وكان بنو حسن قد أخذوه وحملوه إلى اليمن ، فابتاعه الصليحي منهم .
[ ص: 213 ] [ الوفيات ]
( وفيها توفي محمد بن إسماعيل بن أحمد أبو علي الطوسي ، قاضيها ، وكان يلقب العراقي لطول مقامه ببغداذ ، وتفقه على أبي طاهر الإسفراييني الشافعي ، وأبي محمد الشاشي وغيرهما .