[ ص: 388 ] 569
ثم دخلت سنة تسع وستين وخمسمائة
ذكر شمس الدولة زبيد وعدن وغيرهما من بلاد اليمن ملك
قد ذكرنا قبل أن ، صاحب صلاح الدين يوسف بن أيوب مصر ، وأهله كانوا يخافون من أن يدخل إلى نور الدين محمود مصر فيأخذها منهم ، فشرعوا في تحصيل مملكة يقصدونها ويتملكونها تكون عدة لهم إن أخرجهم نور الدين من مصر ساروا إليها وأقاموا بها ، فسيروا شمس الدولة تورانشاه بن أيوب ، وهو أخو صلاح الدين الأكبر ، إلى بلد النوبة ، فكان ما ذكرناه .
فلما عاد إلى مصر استأذنوا نور الدين في أن يسير إلى اليمن لقصد عبد النبي ، صاحب زبيد [ وأخذ بلده ] لأجل قطع الخطبة العباسية ، فأذن في ذلك .
وكان بمصر شاعر اسمه عمارة من أهل اليمن ، فكان يحسن لشمس الدولة قصد اليمن ، ويصف البلاد له ، ويعظم ذلك في عينه ، فزاده قوله رغبة فيها ، فشرع يتجهز ويعد الأزواد والروايا والسلاح وغيره من الآلات ، وجند الأجناد ، فجمع وحشد ، وسار عن مصر مستهل رجب ، فوصل إلى مكة ، أعزها الله تعالى ، ومنها إلى زبيد ، وفيها صاحبها المتغلب عليها المعروف بعبد النبي ، فلما قرب منها رآه أهلها ، فاستقلوا من معه ، فقال لهم عبد النبي : كأنكم بهؤلاء وقد حمي عليهم الحر فهلكوا وما هم إلا أكلة رأس ، فخرج إليهم بعسكره ، فقاتلهم شمس الدولة ومن معه ، فلم يثبت أهل زبيد وانهزموا ، ووصل المصريون إلى سور زبيد ، فلم يجدوا عليه من يمنعهم ، فنصبوا السلالم ، وصعدوا السور ، فملكوا البلد عنوة ونهبوه وأكثروا النهب ، [ ص: 389 ] وأخذوا عبد النبي أسيرا وزوجته المدعوة بالحرة ، وكانت امرأة صالحة كثيرة الصدقة لا سيما إذا حجت ، فإن فقراء الحاج كانوا يجدون عندها صدقة دارة ، وخيرا كثيرا ، ومعروفا عظيما ، [ وسلم شمس الدولة عبد النبي ] إلى بعض أمرائه ، يقال له سيف الدولة مبارك بن كامل من بني منقذ ، أصحاب شيزر ، وأمره أن يستخرج منه الأموال ، فأعطاه منها شيئا كثيرا ، ثم إنه دلهم على قبر كان قد صنعه لوالده ، وبنى عليه بنية عظيمة ، وله هناك دفائن كثيرة ، فأعلمهم بها ، فاستخرجت الأموال من هناك وكانت جليلة المقدار ، وأما الحرة فإنها أيضا كانت تدلهم على ودائع لها ، فأخذ منها مالا كثيرا .
ولما ملكوا زبيد واستقر الأمر لهم بها ، ودان أهلها ، وأقيمت فيها الخطبة العباسية ، أصلحوا حالها ، وساروا إلى عدن ، وهي على البحر ، ولها مرسى عظيم ، وهي فرضة الهند والزنج والحبشة ، وعمان وكرمان ، وكيش ، وفارس ، وغير ذلك ، وهي من جهة البر من أمنع البلاد وأحصنها ، وصاحبها إنسان اسمه ياسر ، فلو أقام بها ولم يخرج عنها لعادوا خائبين ، وإنما حمله جهله وانقضاء مدته على الخروج إليهم ومباشرة قتالهم ، فسار إليهم وقاتلهم فانهزم ياسر ومن معه ، وسبقهم بعض عسكر شمس الدولة ، فدخلوا البلد قبل أهله ، فملكوه ، وأخذوا صاحبه ياسرا أسيرا ، وأرادوا نهب البلد ، فمنعهم شمس الدولة ، وقال : ما جئنا لنخرب البلاد ، وإنما جئنا لنملكها ونعمرها وننتفع بدخلها ، فلم ينهب أحد منها شيئا ، فبقيت على حالها وثبت ملكه واستقر أمره .
ولما مضى إلى عدن كان معه عبد النبي صاحب زبيد مأسورا ، فلما دخل إلى عدن قال : سبحان الله ! كنت قد علمت أنني أدخل إلى ( عدن في موكب كبير ) فأنا أنتظر ذلك وأسر به ، ولم أكن أعلم أنني أدخلها على هذه الحال .
ولما فرغ شمس الدولة من أمر عدن عاد إلى زبيد ، وحصر ما في الجبل من الحصون ، فملك قلعة تعز ، وهي من أحصن القلاع ، وبها تكون خزائن صاحب زبيد ، وملك أيضا قلعة التعكر والجند وغيرها من المعاقل والحصون ، واستناب بعدن عز [ ص: 390 ] الدين عثمان بن الزنجيلي ، وبزبيد سيف الدولة مبارك بن منقذ ، وجعل في كل قلعة نائبا من أصحابه ، وألقى ملكهم باليمن جرانه ودام ، وأحسن شمس الدولة إلى أهل البلاد ، واستصفى طاعتهم بالعدل والإحسان ، وعادت زبيد إلى أحسن أحوالها من العمارة والأمن .